حُكْمُ الأنَاشِيْدِ
إنَّ النَّاظِرَ هَذِهِ الأيَّامَ إلَى الأنَاشِيدِ الجَارِيَةِ فِي حَيَاةِ الأُمَّةِ الإسْلَامِيَّةِ بِكُلِّ سَبِيلٍ والقَاضِيَةِ عَلَى أكْثَرِ أوْقَاتِ النَّاشِئَةِ لَيَسْتَرْعِيهِ الخَوْفُ والوَجَلُ مِنْ هَذَا التَّمَدُّدِ الإنْشَادِيِّ فِي حَيَاةِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ والنِّسَاءِ; مِمَّا يَدْفَعُ كُلَّ مُسْلِمٍ غَيُورٍ إلَى النَّظَرِ فِي دِرَاسَةِ وحُكْمِ هَذِهِ الأنَاشِيدِ المُسَمَّاةِ: «الأنَاشِيدَ الإسْلَامِيَّةَ»، لأجْلِ هَذَا فَقَدَ أجْرَيْتُ قَلَمِي فِي شَيْءٍ مِنْ دِرَاسَتِهَا وحُكْمِهَا عَلَى ضَوْءِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ وكَلَامِ أهْلِ العِلْمِ بشَيءٍ مِنَ الاخْتِصَارِ، واللهُ مِنْ ورَاءِ القَصْدِ!
* * *
قُلْتُ: لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله قَوْلُهُ: «خَلَّفْتُ بِبَغْدَادَ شَيْئًا أحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ، يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيرَ، يَصُدُّونَ بِهِ عَنِ القُرْآنِ»، انْظُرْ: «تَلْبِيسَ إبْلِيسَ» (330) لابْنِ الجَوْزِيِّ، و«الرَّدَّ عَلَى مَنْ يُحِبُّ السَّمَاعَ» لِلطَّبَرِيِّ، و«الِاسْتِقَامَةَ» (1/385) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ.
وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي التَّغْبِيرِ; كَمَا جَاءَ فِي «مَجْمُوعِ الفَتَاوَى» (11/532)، بِقَوْلِهِ: «هَذَا مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَةِ الشَّافِعِيِّ وعِلْمِهِ بِالدِّينِ، فَإنَّ القَلْبَ إذَا تَعَوَّدَ سَمَاعَ القَصَائِدِ والأبْيَاتِ والتَذَّ بِهَا، حَصَلَ لَهُ نُفُورٌ عَنْ سَمَاعِ القُرْآنِ والآيَاتِ، فَيَسْتَغْنِي بِسَمَاعِ الشَّيْطَانِ عَنْ سَمَاعِ الرَّحْمَنِ».
وقَالَ أيْضًا (11/534): «والَّذِيْنَ حَضَرُوا السَّمَاعَ المُحْدَثَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّافِعيُّ مِنْ إحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ، لم يَكُوْنُوا يَجْتَمِعُوْنَ مَعَ مُرْدَانٍ ونِسْوَانٍ، ولا مَعَ مُصْلْصَلاتٍ وشَبَّابَاتٍ! وكَانَتْ أشْعَارُهُم مُزَهِّدَاتٍ مُرَقِّقَاتٍ» انْتَهَى.
وقَالَ أيْضًا الفَقِيْهُ أبو مُحَمَّدٍ الدِّشْتيُّ الحنَفِيُّ في «النَّهيَ عَنِ الرَّقْصِ والسَّمَاعِ» (2/557): «فَإذَا كَانَ الشَّافِعيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ يَقُوْلُ لقَوْمٍ يَقُوْلُوْنَ القَصَائِدَ في الزُّهْدِ: أنَّهُم زَنَادِقَةٌ! فَمَا عَسَى يَقُوْلُ في الرَّقْصِ، واسْتِمَاعِ الأغَاني، والشَّبَّابَاتِ مَعَ الدُّفُوْفِ المُزَوَّقَةِ بالجَلاجِلِ بِحَضْرَةِ أحْدَاثِ المُرْدِ والنِّسَاءِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُشْتَهِيَاتِ، بَعْدَ مِلاءِِ بُطُوْنِهِم مِنْ ألْوَانِ الطَّعَامِ مِنَ الشُّبْهَةِ والحَرَامِ؟!» انْتَهَى.
وقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ رَحِمَهُ الله (206): «التَّغْبِيرُ بِدْعَةٌ وضَلَالَةٌ، ومَا يُغَبِّرُ إلَّا فَاسِقٌ، ومَتَى كَانَ التَّغْبِيْرُ؟!» أخْرَجَهُ الخَلَّالُ في «الأمْرِ بالمَعْرُوْفِ والنَّهي عَنِ المُنْكَرِ» (107)، وذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في «مَجْمُوعِ الفَتَاوَى» (11/569).
وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: أنَّهُ سُئِلَ (أحْمدُ) عَنْ اسْتِمَاعِ القَصَائِدِ، فَقَالَ: «أكْرَهُهُ، هُوَ بِدْعَةٌ، ولَا يُجَالَسُونَ».
وَقَالَ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ: «التَّغْبِيرُ بِدْعَةٌ»، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ يُرَقِّقُ القُلُوبَ، فَقَالَ: «هُوَ بِدْعَةٌ»، وقَالَ مَرَّةً: «أكْرَهُ التَّغْبِيرَ»، وأنَّهُ نَهَى عَنِ اسْتِمَاعِهِ، وقَالَ: «بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ» انْتَهَى، انْظُرْ: «الكَافِي» (4/526) لِابْنِ قُدَامَةَ، و«الفُرُوعَ» (5/237) لِابْنِ مُفْلِحٍ، و«المُبْدِعَ» (10/227) لِأبِي إسْحَاقَ ابْنِ مُفْلِحٍ، و«تَلبِيسَ إبْلِيسَ» (228) لِابْنِ الجَوْزِيِّ.
وقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ العَبَّاسِ الهَاشِميُّ رَحِمَهُ الله: «التَّغْبِيرُ بِدْعَةٌ مُحْدَثٌ» أخْرَجَهُ الخَلَّالُ في «الأمْرِ بالمَعْرُوْفِ والنَّهي عَنِ المُنْكَرِ» (107)، وذَكَرَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ في «تَلبِيسِ إبْلِيسَ» (281).
* * *
فَأمَّا التَّغْبِيرُ: فَهُوَ شِعْرٌ يُغَنِّي بِهِ المُغَنِّي يُزَهِّدُ بِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ التَّلْحِينِ والتَّطْرِيبِ المُعْتَدِلِ!
وَقَدْ قِيْلَ: «إنَّ التَّغْبِيْرَ في لِسَانِ السَّلَفِ: هُوَ الغِنَاءُ».
قَالَ الأزْهَرِيُّ (370): «المُغَبِّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ بِذِكْرِ الله بِدُعَاءٍ وتَضَرُّعٍ، وقَدْ سَمَّوْا مَا يَطْرَبُونَ فِيْهِ مِنَ الشِّعْرِ فِي ذِكْرِ الله عَزَّ وجَلَّ تَغْبِيرًا»، وقَالَ الزَّجَّاجُ (311): «سُمُّوا مُغَبِّرِينَ لِتَزْهِيدِهِمُ النَّاسَ فِي الفَانِي مِنَ الدُّنْيَا، وتَرْغِيبِهِمْ فِي الآخِرَةِ»، انْظُرْ «تَلْبِيسَ إبْلِيسَ» (230).
وقَالَ أبو اللَّيْثِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ (375) «والتَّغْبِيْرُ اسْمٌ قَدْ أُحْدِثَ لهَذَا السَّمَاعِ المُحْدَثِ، وكَانَ في الزَّمَانِ الأوَّلِ، يَقُوْلُوْنَ لأقْوَامٍ يَذْكُرُوْنَ الله تَعَالى بدُعَاءٍ وتَضَرُّعٍ: يُغَبِّرُوْنَ!» انْظُرْ «النَّهيَ عَنِ الرَّقْصِ والسَّمَاعِ» للدِّشْتيِّ الحنَفِيِّ (2/555).
وقَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله فِي «مَسْألَةِ السَّمَاعِ» (120): «والتَّغْبِيْرُ: ضَرْبٌ بقَضِيْبٍ على جِلْدٍ أو مِخَدَّةٍ، يَخْرُجُ لَهُ صَوْتٌ، ويُنْشِدُوْنَ مَعَهُ أشْعَارًا مُرَقِّقَةً مُزَهِّدَةً».
وقَالَ أيْضًا (123): «وَقَدْ قِيْلَ: إنَّ التَّغْبِيْرَ في لِسَانِ السَّلَفِ: هُوَ الغِنَاءُ» قَالَ: الحَافِظُ أبو مُوْسَى المَدِيْنيُّ: «إنَّه الغِنَاءُ؛ لأنَّه يَحْمِلُ النَّاسَ على الرَّقْصِ فَيُغَبِّرُوْنَ الأرْضَ بالدَّقِّ والفَحْصِ وحَثى التُّرَابِ، قَالَ أبو مُوْسَى: قَالَ: الشَّافِعيُّ: «بالعِرَاقِ زَنَادِقَةٌ وَضَعُوا التَّغْبِيْرَ»، وفي رِوَايَةٍ: «أحْدَثُوا القَصَائِدَ ليُشْغِلُوا النَّاسَ عَنِ القُرْآنِ» انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله فِي «مَجْمُوعِ الفَتَاوَى» (11/592): عَنِ التَّغْبِيرِ، فَقَالَ: «وَسُئِلَ عَنْهُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ، فَقَالَ: «هُوَ مُحْدَثٌ»، قِيلَ: إنَّهُ يُرِقُّ القَلبَ، فَقَالَ: «لَا تَجْلِسُوا مَعَهُمْ»، قِيلَ لَهُ: أيُهْجَرُونَ؟ فَقَالَ: «لَا يَبْلُغُ بِهِمْ هَذَا كَلَّهُ»، فَبَيَّنَ أنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلهَا القُرُونُ الفَاضِلَةُ لَا فِي الحِجَازِ ولَا فِي الشَّامِ، ولَا فِي اليَمَنِ، ولَا فِي مِصْرَ، ولَا فِي العِرَاقِ ولَا فِي خُرَاسَانَ، ولَوْ كَانَ لِلمُسْلِمِينَ بِهِ مَنْفَعَةٌ فِي دِينِهِمْ لَفَعَلَهُ السَّلَفُ، ولَمْ يَحْضُرْهُ: مِثْلُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أدْهَمَ، ولَا الفُضِيلُ بْنُ عِيَاضٍ، ولَا مَعْرُوفٌ الكَرْخِيُّ، ولَا السُّرِّيُّ السَّقَطِيُّ، ولَا أبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ، ولَا مِثْلُ عَبْدِ القَادِرِ، والشَّيْخِ عَدِيٍّ، والشَّيْخِ أبِي البَيَانِ، ولَا الشَّيْخُ حَيَاةٌ وغَيْرُهُمْ، بَل فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ كَالشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ وغَيْرِهِ النَّهْيُ عَنْهُ، وكَذَلِكَ أعْيَانُ المَشَايِخِ» انْتَهَى.
* * *
وأمَّا الحُدَاءُ: فَهُوَ سَوْقُ الإبِلِ بِضَرْبٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الغِنَاءِ، وفِي الغَالِبِ يَكُونُ بِالرَّجَزِ، وقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنَ الشِّعْرِ.
وَمِثَالُهُ: مَا ثَبَتَ فِي البُخَارِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ولَا تَصَدَّقْنَا ولَا صَلَّيْنَا
وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حُدَاءِ أنْجَشَةَ وغَيْرِهِمَا رَضِيَ الله عَنْهُمَا.
وَهَذَا الحُدَاءُ لَا أعْلَمُ فِي جَوَازِهِ خِلَافًا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ وابْنُ قُدَامَةَ والغَزَّالِيُّ وابْنُ حَجَرٍ والهَيْتَمِيُّ وغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ.
* * *
وأمَّا النَّصْبُ: فَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ النَّشِيدِ بِصَوْتٍ فِيْهِ تَمْطِيطٌ دُونَ خُرُوجٍ عَنِ العَادَةِ.
وَهُوَ يُشْبِهُ الحُدَاءَ فِي حَقِيقَتِهِ (كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ) إلاَّ أنَّهُ أرَقُّ مِنْهُ، ويَلْحَقُ بِهِ فِي الحُكْمِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ «المُغْنِي» (12/43): «الحُدَاءُ مُبَاحٌ لَا بَأْسَ فِي فِعْلِهِ واسْتِمَاعِهِ، وكَذَلِكَ نُشِيدُ الأعْرَابِ: وهُوَ النَّصْبُ، لَا بَأْسَ بِهِ وسَائِرِ أنْوَاعِ الإنْشَادِ، مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الغِنَاءِ» انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.
مِثَالُهُ: غِنَاءُ الجَارِيَتَيْنِ عِنْدَ عَائِشَةَ الَّذِي قِيلَ فِي يَوْمِ بُعَاثٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الصَّحَابَةِ وهُمْ يَحْدُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله r، عِنْدَ حَفْرِ الخَنْدَقِ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدَا
فَيُجِيبُهُمْ بِقَوْلِهِ:
«اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأنْصَارِ والمُهَاجِرَةِ».
* * *
وَبِهَذَا خَرَجَ حَدُّ الحُدَاءِ والنَّصْبِ عَنِ الغِنَاءِ المَذْمُومِ لِكَوْنِهِمَا: لَيْسَ لَهُمَا ألحَانٌ مَصْنُوعَةٌ مُتَكَلَّفَةٌ بِتَلْحِينٍ وتَمْطِيطٍ وتَطْرِيبٍ: بَلْ كَانُوا يُرَقِّقُونَ الصَّوْتَ ويُمَطِّطُونَهُ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِأُمِّيَّةِ العَرَبِ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا صَنَائِعَ المُوسِيقَى; كَمَا قَالَهُ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ الله.
* * *
وَهَذَا التَّغْبِيرُ الَّذِي ذَمَّهُ الشَّافِعِيُّ وأئِمَّةُ السَّلَفِ، هُوَ شَبِيهٌ بِمَا يُسَمَّى اليَوْمَ: الأنَاشِيدَ (الإسْلَامِيَّةَ) الَّتِي يُنْشِدُهَا أهْلُهَا بِتَلْحِينٍ وتَمْطِيطٍ وتَكْسِيرٍ، مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنِ العَادَةِ وسَنَنِ العَرَبِ، ورُبَّمَا كَانَتْ بَعْضُهَا بِأصْوَاتٍ فَاتِنَةٍ مُثِيرَةٍ... فِي حِينِ أنَّهَا أصْبَحَتْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَادَةً وفَنًّا ومِهْنَةً.
وَمِنْ هُنَا انْعَقَدَتْ آصِرَةُ المُبَالَغَةِ والتَّكَلُّفِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ مُنْشِدِي زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ هَذِهِ الأنَاشِيدِ، وفِي مُتَابَعَتِهَا مِنْ خِلَالِ تَسْجِيلَاتٍ خَاصَّةٍ، وغُرَفٍ مُحْكَمَةٍ مُجَهَّزَةٍ، ومِنْ ورَائِهَا تَسْجِيلَاتٌ لِلْأصْوَاتِ البَشَرِيَّةِ عَبْرَ آلَاتٍ صَوْتِيَّةٍ ذَاتِ تَأْثِيرَاتٍ وتَحْسِينَاتٍ يَتَوَلَّدُ مِنْ خِلَالِهَا أصْوَاتٌ أشْبَهُ بِصَوْتِ المُوسِيقَى الآلِيَّةِ، وهَذَا فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُضَاهَاةٌ لِلْمُوسِيقَى والمَعَازِفِ المُحَرَّمَةِ، وفِيهِ تَحَايُلٌ عَلَى الشَّرْعِ بِأضْعَفِ الأسْبَابِ والعِيَاذُ بِاللَّهِ، وهَكَذَا فِي مُحَاكَاةٍ ومُصَانَعَةٍ لأهْلِ الفِسْقِ والمُجُونِ فِي غِنَائِهِمْ!
وَهَكَذَا جَرَى أكْثَرُ المُنْشِدِينَ هَذِهِ الأيَّامَ بِانْتِحَالِ صِنَاعَةِ هَذِهِ الأنَاشِيدِ مِنْ خِلَالِ تَلْحِينَاتٍ ونَغْمَاتٍ تَكُونُ بِتَقْطِيعِ الأصْوَاتِ عَلَى نِسَبٍ مُنْتَظِمَةٍ مَعْرُوفَةٍ، يُرَكِّبُونَ مِنْ مَجْمُوعِهَا أنْغَامًا مُنَظَّمَةً عَلَى وَجْهِ الإطْرَابِ والتَّلْحِينِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِصَوْتِهِمُ الطَّبِيعِيِّ أوْ بِوَاسِطَةِ مِعْزَفَةٍ آلِيَّةٍ عَبَرَ آلَةِ «الكُمْبِيُوتَرْ»!
* * *
هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ حَرَّمَتِ المَزَامِيرَ لِمَا يَنْتُجُ عَنْهَا مِنْ مَعَازِفَ صَوْتِيَّةٍ نَاتِجَةٍ عَنْ طَرِيقِ الثُّقُوبِ المَوْجُودَةِ فِيْهَا.
فَلَا شَكَّ أنَّ هَذِهِ الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةَ الَّتِي تُسَجَّلُ فِيْهَا الأصْوَاتُ البَشَرِيَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ، ثُمَّ يُضَافُ إلَيْهَا تَحْسِينَاتٌ ومُؤَثِّرَاتٌ آلِيَّةٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا صَوْتٌ بَشَرِيٌّ أشْبَهُ مَا تَكُونُ مُحَاكَاةً لِلْمَعَازِفِ والمَزَامِيرِ المُحَرَّمَةِ: لا شَكَّ أنَّ مِثْلَ هَذَا الفِعْلِ مُحَرَّمٌ لِثَلَاثَةِ أوْجُهٍ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ مُوسِيقَى صَوْتِيَّةٌ وأصْوَاتُ مَعَازِفَ ومَزَامِيرَ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ أبْلَغَ مِنْ أصْوَاتِ كَثِيرٍ مِنْ آلَاتِ المَعَازِفِ، وهُوَ كَذَلِكَ!
فَالعِبْرَةُ فِي الحُكْمِ بِالحَقِيقَةِ والمُسَمَّيَاتِ لَا بِالظُّنُونِ والأسْمَاءِ، كَمَا أنَّهُ يَجْرِي فِيْهَا القِيَاسُ الصَّحِيحُ دُونَ خِلَافٍ لاتِّحَادِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ المَوْجُودَةِ فِي صَوْتِ المَعَازِفِ والمَزَامِيرِ وغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ والطَّرَبِ.
الوَجْهُ الثَّانِي: أنَّهُ مِنَ الحِيَلِ الَّتِي حَرَمَهَا الله تَعَالَى فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ والإجْمَاعِ، وقَدْ عُلِمَ بِالاضْطِرَارِ مِنَ الدِّينِ: أنَّ إتْيَانَ المَعَاصِي عَلَى وَجْهِهَا أهْوَنُ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنِ ارْتِكَابِهَا بِالحِيَلِ!
يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله في «التِّبْيَانِ» (144): «يَسْتَحِيلُ عَلَى الحَكِيمِ أنْ يُحَرِّمَ الشَّيْءَ، ويَتَوَعَّدَ عَلَى فِعْلِهِ بِأعْظَمِ أنْوَاعِ العُقُوبَاتِ، ثُمَّ يُبِيحُ التَّوَصُّلَ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِأنْوَاعِ التَّحْلِيلَاتِ» انْتَهَى.
الوَجْهُ الثَّالِثُ: أنَّهُ شَبِيهٌ بِفِعْلِ اليَهُودِ الَّذِينَ حَرَّمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِمْ صَيْدَ يَوْمِ السَّبْتِ، فَنَصَبُوا الشِّبَاكَ فِيهِ، ثُمَّ أخَذُوهَا مِنَ الشِّبَاكِ يَوْمَ الأحَدِ، والله أعْلَمُ.
* * *
وقَدْ عَرَّفَ بَعْضُهُمُ الأنَاشِيدَ (الإسْلَامِيَّةَ) الجَارِيَةَ عِنْدَ أهْلِ العَصْرِ: بِأنَّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِشِعْرٍ أوْ رَجَزٍ أوْ نَثْرٍ بِنَوْعٍ فِيْهِ تَرْجِيعٌ وتَرْقِيقٌ وتَرْنِيمٌ لأجْلِ إثَارَةِ الحَمَاسِ والعَوَاطِفِ والغَيْرَةِ الدِّينِيَّةِ فِي أوْقَاتٍ وأمَاكِنَ مُتَنَوِّعَةٍ فَرْدًا أوْ جَمَاعَةً.
* * *
ومِنْ خِلَالِ هَذِهِ التَّعَارِيفِ لِلْأنَاشِيدِ المُعَاصِرَةِ; لَا نَشُكُّ أنَّهَا أشْبَهُ مَا تَكُونُ بِالتَّغْبِيرِ الَّذِي حَرَّمَهُ وذَمَّهُ سَلَفُنَا الصَّالِحُ، كَمَا أنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أنْوَاعِ الغِنَاءِ المُحَرَّمِ والمَذْمُومِ اتِّفَاقًا.
وَتَزْدَادُ حُرْمَةُ هَذِهِ الأنَاشِيدِ إذَا كَانَتْ بأصْوَاتٍ فَاتِنَةٍ ولاسِيَّمَا مِنْ بَعْضِ المُرْدَانِ والجِوَارِي الصِّغَارِ، وكَذَا تَزْدَادُ الحُرْمَةُ إذَا خَالَطَهَا تَحْسِينَاتٌ صَوْتِيَّةٌ مِنْ خِلَالِ آلَاتٍ مَعْرُوفَةٍ (الأُسْتُدْيُو)، ومَا عَلِمُوا أنَّ هَذَا الفِعْلَ فِي حَقِيقَتِهِ حِيلَةٌ عَلَى المُحَرَّمِ، لأنَّ الصَّوْتَ الَّذِي يُنْشِدُهُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ بِطَبِيعَتِهِ لَيْسَ هُوَ الصَّوْتَ المُحَسَّنَ بِالصَّوْتِيَّاتِ الآلِيَّةِ، بَلْ هَذَا الفِعْلُ مِنْهُمْ تَلَاعُبٌ وخُرُوجٌ عَنِ الحَقِّ.
وَأشَدُّ مِنْهُ حُرْمَةً إذَا خَرَجَتْ عَلَى تَكَلُّفٍ وتَصَنُّعٍ وذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تَرْكِيبِ لَقَطَاتٍ وصُوَرٍ ومَقَاطِعَ مُخْتَلِفَةٍ مُصَاحِبَةٍ للأنْشَادِ المُصَوِّرِ، وهُوَ مَا يُسَمَّى: بـ(الفِيدْيُو كِلِيبْ)، وهَذَا مِنْهُمْ عَيْنُ التَّشَبُّهِ بِأهْلِ الفِسْقِ والمُجُونِ!
بَلْ أشَدُّهَا حُرْمَةً، إذَا أنْشَدَهَا الرِّجَالُ ومَعَهُم طَبْلٌ أوْ دُفٌّ أوِ اتُّخِذَتْ حِرْفَةً ومِهْنَةً... وفَوْقَهُ حُرْمَةً مَا كَانَ مِنْهَا بَيْنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ عِيَاذًا بالله!
* * *
نَعَمْ؛ فَإنَّ أكْثَرَ المُنْشِدِينَ فِي زَمَانِنَا: هُمْ مُغَبِّرُونَ بِأشْعَارِهِمْ وأنَاشِيدِهِمُ الَّتِي يَقْصِدُونَ بِهَا التَّزْهِيدَ فِي الدُّنْيَا والتَّرْغِيبَ فِي الآخِرَةِ، عَلِمُوا أمْ جَهِلُوا!
وَلْيَعْلَمُوا هَدَانَا الله وإيَّاهُمْ; أنَّ هَذِهِ الأنَاشِيدَ الَّتِي امْتَلَأتْ بِهَا الأسْوَاقُ والمَكْتَبَاتُ لَمْ تَكُنْ يَوْمًا مِنَ الأيَّامِ: سَبَبًا لإصْلَاحِ الفَاسِدِ، أوْ تَغْيِيرًا لِلْحَالِ الَّذِي نَعِيشُهُ، أوْ طَرِيقًا لِعِزَّةِ ونَصْرِ المُسْلِمِيْنَ... بَلْ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أصْحَابِ هَذِهِ الأنَاشِيدِ يُقَامِرُونَ بِقَضَايَا الأُمَّةِ فِي أنَاشِيدَ سَاذَجَةٍ لَيْسَ لَهَا مِنَ الحَقِّ شَيْئًا; اللَّهُمَّ إلَّا ضَيَاعَ الأوْقَاتِ وتَبْدِيدَ الطَّاقَاتِ، وإشْغَالَ النَّاشِئَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وصَدَّهُمْ عَنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ، وقَدِ انْعَقَدَ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ أنَّ الإيمَانَ: قَوْلٌ وعَمَلٌ، لَا أنَاشِيدُ وطَبْلٌ!
وَأيًّا كَانَ الأمْرُ فَلْيَتَّقُوا الله فِي هَذِهِ الأنَاشِيدِ، وعَلَيْهِمْ بِالأمْرِ الأوَّلِ، كَمَا جَاءَ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ، فَفِيهِ الكِفَايَةُ والمَغْنَمُ.
* * *
أمَّا إذَا سَألْتَ عَنْ حَقِيقَةِ الأنَاشِيدِ عِنْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَهِيَ كَمَا يَلِي:
إنْشَادٌ بِشِعْرٍ مِنَ الزُّهْدِ والرَّقَائِقِ، أوِ التَّذْكِيرِ والمَوَاعِظِ، أوِ الحَمَاسَةِ والإقْدَامِ ونَحْوِهَا... بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ بِنَوْعٍ مِنَ اللَّحْنِ المُعْتَادِ بِدُونِ تَكَلُّفٍ أوْ تَمْطِيطٍ أوْ تَطْرِيبٍ مَصْنُوعٍ أوْ إيقَاعَاتٍ صَوْتِيَّةٍ أوْ أصْوَاتٍ فَاتِنَةٍ، وذَلِكَ فِي مُنَاسَبَاتٍ وأحَايِينَ يَقْتَضِيهَا الحَالُ: كَحَالِ القِتَالِ والنِّزَالِ والأعْمَالِ الشَّاقَّةِ وحُدَاءِ الرَّكْبِ والقَافِلَةِ وفِي غَيْرِهَا مِمَّا صَحَّتْ بِهِ السُّنَّةُ وعَرَفَتْهَا العَرَبُ فِي سَنَنِ أنَاشِيدِهَا، كَحَالِ الأُمِّ مَعَ طِفْلِهَا، والرَّاعِي مَعَ غَنَمِهِ، وهَكَذَا.
أمَّا أنْ تُتَّخَذَ هَذِهِ الأنَاشِيدُ عَادَةً جَارِيَةً، أو مِهْنَةً واحْتِرَافًا عِنْدَ بَعْضِ المُنْشِدِينَ الَّذِينَ أصْبَحُوا أعْلَامًا فِي الإنْشَادِ، وأمْسَتْ أسْمَاؤُهُمْ رَمْزًا فِي قَوَائِمِ المُنْشِدِينَ... فَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا حَرَّمَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ اتِّفَاقًا، ومِنْهُم مَنْ حَكَى الإجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وذَمِّهِ، والله المُوَفِّقُ والهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
* * *
ثُمَّ اعْلَمْ أخِي المُسْلِمَ أنَّ الإنْشَادَ (الإسْلَامِيَّ) المُعَاصِرَ فِي حَقِيقَتِهِ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الحُدَاءِ والنَّصْبِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، لَكِنَّهُ اليَوْمَ (لِلْأسَفِ) قَدْ خَرَجَ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وخَالَفَ سَنَنَ العَرَبِ فِي إنْشَادِهِمْ لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنَ المَحْظُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، لِذَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى القَائِمِينَ عَلَى هَذِهِ الأنَاشِيدِ أنْ يَحْظَرُوا فِي إنْشَادِهِمْ مِمَّا يَلِي:
المَحْظُورُ الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ الإنْشَادُ بِتَلْحِينٍ وتَطْرِيبٍ وتَمْطِيطٍ وتَكْسِيرٍ فِي الأصْوَاتِ، مِمَّا خَرَجَ عَنِ العَادَةِ، وذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَقْطُوعَاتٍ صَوْتِيَّةٍ وأنْغَامٍ شَجِيَّةٍ.
وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ رَحِمَهُ الله «المُغْنِي» (12/43) إذْ يَقُولُ: «الحُدَاءُ مُبَاحٌ لَا بَأْسَ فِي فِعْلِهِ واسْتِمَاعِهِ، وكَذَلِكَ نَشِيدُ الأعْرَابِ: وهُوَ النَّصْبُ، لَا بَأْسَ بِهِ وسَائِرِ أنْوَاعِ الإنْشَادِ، مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الغِنَاءِ».
وَبِمِثْلِهِ قَالَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ الله «الاعْتِصَامِ» (1/348): «وَلَمْ يَكُنِ المَاضُونَ الأوَّلُونَ الَّذِينَ هُمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، لَمْ يَكُونُوا يَتَصَنَّعُونَ أوْ يَتَكَلَّفُونَ فِي إنْشَادِ الشِّعْرِ إلاَّ مِنْ وَجْهِ إرْسَالِ وَجْهِ الشِّعْرِ واتِّصَالِ القَوَافِي، فَإنْ كَانَ صَوْتُ أحَدِهِمْ أشْجَنَ مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا إلَى أصْلِ الخِلْقَةِ لَا يَتَكَلَّفُونَ ولَا يَتَصَنَّعُونَ» انْتَهَى.
لِذَا فَالحَدُّ الشَّرْعِيُّ لِلنَّشِيدِ: هُوَ مَا كَانَ يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ r، وأصْحَابِهِ ومَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَخَارِجٌ عَنِ السُّنَّةِ والحَقِّ، «فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ» (يونس: 32).
المَحْظُورُ الثَّانِي: أوْ يَكُونَ بِأصْوَاتٍ فَاتِنَةٍ مُثِيرَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِأصْوَاتِ صِبْيَانٍ أوْ جَوَارٍ ونِسْوَانٍ.
المَحْظُورُ الثَّالِثُ: أوْ يَكُونَ نَشِيْدُ الرِّجَالِ مُصَاحِبًا لِلدُّفُوفِ أوِ الطَّبْلِ أوْ غَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الطَّرَبِ.
المَحْظُورُ الرَّابِعُ: أوْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا لِلتَّصْفِيقِ أوِ التَّصْفِيرِ أوِ الرَّقْصِ.
المَحْظُورُ الخَامِسُ: أوْ يَكُونَ مُرَكَّبًا ومُعَالَجًا مِنْ خِلَالِ تَحْسِينَاتٍ صَوْتِيَّةٍ عَبْرَ آلَاتٍ صَوْتِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ، وهُوَ مَا يُسَمَّى بالتَّحْسِينَاتِ الصَوْتِيَّةِ، المُعَالَجَةِ بـ(الأُسْتُدْيُو).
المَحْظُورُ السَّادِسُ: أوْ يَكُونَ مُرَكَّبًا ضِمْنَ لَقَطَاتٍ وصُوَرٍ ومَقَاطِعَ مُخْتَلِفَةٍ، وهُوَ مَا يُسَمَّى: بـ(الفِيدْيُو كِلِيْبْ) لأنَّهُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالفُسَّاقِ.
المَحْظُورُ السَّابِعُ: أوْ يَكُونَ إنْشَادًا مُخْتَلَطًا بَيْنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ عِيَاذًا بالله!
المَحْظُورُ الثَّامِنُ: أوْ يَكُونَ عَادَةً فِي كُلِّ وقْتٍ، ورُبَّمَا اتَّخَذَهُ بَعْضُهُمْ حِرْفَةً ومِهْنَةً.
المَحْظُورُ التَّاسِعُ: أوْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا لِشِعْرٍ أوْ نَثْرٍ مُحَرَّمَيْنِ.
المَحْظُورُ العَاشِرُ: أوْ يَكُونَ فِيْهِ تَشَبُّهٌ بِألحَانِ أوْ كَلِمَاتِ أهْلِ الفِسْقِ والمُجُونِ، وذَلِكَ بِطَرْقِ وتَوْقِيعِ كَلِمَاتِ الإنْشَادِ عَلَى أوْزَانِ ونَغْمَاتِ وتَلْحِينِ بَعْضِ أغَانِي أهْلِ الفِسْقِ أوْ تَضْمِينِ الإنْشَادِ بَعْضَ الكَلِمَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ شَأْنِ أهْلِ الفِسْقِ والمُجُونِ: مِثْلَ الآهَاتِ «آآآلله» و«آآآه »، و«يَاآآ عَيْن»، و«يَاآآ لَيْل»، وغَيْرِهَا مِنْ تَمْدِيدِ الكَلِمَاتِ مَدًّا فَاحِشًا خَارِجًا عَنِ العَادَةِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» أحْمَدُ، وأبُو دَاوُدَ، وهُوَ صَحِيحٌ.
المَحْظُورُ الحَادِيَ عَشَرَ: أوْ يَكُونَ فِيْهِ تَشَبُّهٌ بِظَاهِرِ هَيْئَةِ أهْلِ الفِسْقِ فِي غِنَائِهِمْ مِنْ حَيْثُ الأدَاءِ والإلقَاءِ والوُقُوفِ والاصْطِفَافِ واللِّبَاسِ والحَرَكَاتِ، ولَاسِيَّمَا الضَّرْبِ بِالأيْدِي عَلَى نَحْوِ التَّصْفِيقِ وضَرْبِ الأرْضِ بِالأرْجُلِ وهَزِّ الرُّؤوْسِ، والتَّمَايُلِ والتَّكَسُّرِ فِي الجِسْمِ، وهَكَذَا مِنَ التَّشَبُّهَاتِ الجَارِيَةِ عَلَى عَادَاتِ وصَنَائِعِ أهْلِ الفِسْقِ عِنْدَ غِنَائِهِمْ.
قَالَ الغَزَّالِيُّ رَحِمَهُ الله في «الإحْيَاءِ» (2/22): «لَوِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ وزَيَّنُوا مَجْلِسًا وأحْضَرُوا آلَاتِ الشُّرْبِ وأقْدَاحَهُ، وصَبُّوا فِيْهَا السِّكْنَجِيْن (شَرَابٌ مُبَاحٌ)، ونَصَبُوا سَاقِيًا يَدُورُ عَلَيْهِمْ، فَيَأْخُذُونَ مِنَ السَّاقِي ويَشْرَبُونَ، ويُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِكَلِمَاتِهِمُ المُعْتَادَةِ بَيْنَهُمْ: حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وإنْ كَانَ المَشْرُوبُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ; لأنَّ فِي هَذَا تَشَبُّهًا بِأهْلِ الفِسْقِ» انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ.
وَمِنَ التَّحْذِيرِ مِنَ التَّمَايُلِ وهَزِّ الرُّؤوْسِ، مَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، أنَّ أُمَّ عَلْقَمَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ، قَالَتْ: أنَّ بَنَاتِ أخِي عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا خُفِضْنَ (خُتِنَّ)، فَألِمْنَ ذَلِكَ فَقِيلَ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، ألاَّ نَدْعُو لَهُنَّ مَنْ يُلْهِيْهِنَّ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَتْ أمُّ عَلْقَمَةَ: فَأُرْسِلَ إلَى فُلَانٍ المُغَنِّي فَأتَاهُمْ، فَمَرَّتْ بِهِ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا فِي البَيْتِ، فَرَأتْهُ يَتَغَنَّى ويُحَرِّكُ رَأْسَهُ طَرَبًا، وكَانَ ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا: «أُفٍّ، شَيْطَانُ! أخْرِجُوهُ، أخْرِجُوهُ، فَأخْرَجُوهُ!» أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي «الأدَبِ المُفْرَدِ» (1247)، والبَيْهَقِيُّ فِي «السُّنَنِ الكُبْرَى» (10/223)، بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
المَحْظُورُ الثَّانِيَ عَشَرَ: أوْ يَكُونَ مُلْهِيًا عَنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، أوْ مِمَّا هُوَ أوْلَى وأكْمَلُ شَرْعًا وطَبْعًا.
المَحْظُورُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أوْ يَكُونَ مُنْتَسَبًا أو مُضَافًا إلى الإسْلامِ، وذَلِكَ تَحْتَ مُسَمَّيَاتِ: الإنْشَادِ الإسْلامِيِّ، أو الإنْشَادِ الدِّيْني!
ومِنْ هُنَا؛ فَلْيَعْلَمْ كُلُّ مُسْلِمٍ أنَّ النَّبيَّ لم يُشَرِّعْ لأمَّتِهِ إلَّا قِرَاءَةَ القُرْآنِ والذِّكْرَ... أمَّا النَّشِيْدُ فَلَمْ يُشَرِّعْهُ لأمُّتِهِ، ولم يَأمُرْ بِهِ، ولم يَحْتَرِفْهُ أحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أو التَّابِعِيْنَ أو أحَدٌ مِنْ صَالِحِي هَذِهِ الأمَّةِ... لِذَا كَانَ مِنَ الحِنْثِ العَظِيْمِ تَسْمِيَةُ هَذِهِ الأشْعَارِ: بالأنَاشِيْدِ الإسْلامِيَّةِ أو الدِّيْنِيَّةِ!
فَعِنْدَئِذٍ؛ كَانَ مِنَ التَّلْبِيْسِ والتَّدْلِيْسِ أنْ نُلْصِقَ أو نُضِيْفَ إلى الإسْلامِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، حَيْثُ تَقَرَّرَ شَرْعًا أنَّ كُلَّ قَوْلٍ أو فِعْلٍ أُضِيْفَ إلى الإسْلامِ فَهُوَ مِنَ المَأمُوْرِ بِهِ شَرْعًا إمَّا على وَجْهِ الإيْجَابِ أو الاسْتِحْبَابِ، والحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مِنَ الخَطَإ هَذِهِ النِّسْبَةُ الإسْلامِيَّةُ!
بَلْ كَانَ النَّشِيْدُ في الصَّدْرِ الأوَّلِ مِنَ الألْحَانِ الَّتِي أقَرَّتْهَا الشَّرِيْعَةُ على وَجْهِ الجَوَازِ في حَالاتٍ وأوْقَاتٍ لا غَيْرَ، فَلَمْ يَكُنْ دِيْمَةً في كُلِّ وقْتٍ، أو حِرْفَةً يُشْتَهَرُ بِهَا، أو صِنْعَةً يُعْمَلُ عَلَيْهَا.
وعلى هَذَا كَانَ مِنْ دَبِيْبِ الخَطَإ مُسَارَقَةُ هَذِهِ التَّسْمِيَاتِ (الإسْلامِيَّةِ) في كُلِّ مَا نَأتِي ونَذَرُ، ولاسِيَّمَا في النَّوَازِلِ المُعَاصِرَةِ الَّتِي أجْلَبَتْهَا قُرُوْحُ أفْكَارِ طَوائِفَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ بِلا دَلِيْلٍ أو تَعْلِيْلٍ، مِثْلَ قَوْلِهِم:
الأنَاشِيْدُ الإسْلامِيَّةُ، التَّمْثِيْلِيَاتُ الإسْلامِيَّةُ، والأعْرَاسُ الإسْلامِيَّةُ، والرَّحَلاتُ الإسْلامِيَّةُ، والمُخَيَّمَاتُ الإسْلامِيَّةُ، وكَذَا الكِتَابُ الإسْلامِيِّ، والفِقْهُ الإسْلامِيِّ... وهَكَذَا تَحْتَ مُسَمَّيَاتِ الإسْلامِ([1])... لأنَّ الأصْلَ فِيْمَا يَفْعَلُهُ المُسْلِمُ مِنَ الأقْوَالِ والأفْعَالِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَاعِدَةِ الإسْلامِ أمْرًا ونَهْيًا... والله يَهْدِي إلى سَوَاءِ السَّبِيْلِ.
المَحْظُورُ الرَّابِعَ عَشَرَ: وهُوَ مِنْ أخْطَرِهَا مَأْخَذًا، أنْ يَكُونَ هَذَا النَّشِيدُ عَادَةً وتَسْلِيَةً، وحَظًّا لِلنَّفْسِ الفَارِغَةِ، والرُّوحِ البَاطِلَةِ; بِحَيْثُ يَنْقَلِبُ هَذَا النَّشِيدُ مِنْ مَقْصُودِهِ الشَّرْعِيِّ: وهُوَ التَّذْكِيرُ والتَّزْهِيدُ والتَّحْمِيسُ ونَحْوُهُ إلَى التِذَاذٍ سَمْعِيٍّ وحَظٍّ نَفْسِيٍّ، لَيْسَ مِنْهُ إلاَّ العَادَةُ المُسْتَحْكِمَةُ، والتَّسْلِيَةُ المَذْمُومَةُ، والعُزُوفَ عَنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ; لَاسِيَّمَا عَنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، وطَلَبِ العِلْمِ.
وَمِنَ الأسَفِ; أنَّ هَذَا الفِعْلَ أصْبَحَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ مُحِبِّي الأنَاشِيدِ المُعَاصِرَةِ مِنَ الشَّبِيبَةِ، خُصُوْصًا النِّسَاءَ وأهْلَ النُّفُوسِ الضَّعِيفَةِ مِنَ الشَّبَابِ وغَيْرَهُمْ، والله المُسْتَعَانُ!
وَإلَى هَذَا أشَارَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله فِي «مَسْألَةِ السَّمَاعِ» (139): «سَمَاعُ الأشْعَارِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ إثَارَةً فِي القَلْبِ مِنَ الحُبِّ والخَوْفِ والرَّجَاءِ والطَّلَبِ والأُنْسِ والشَّوْقِ والقُرْبِ وتَوَابِعِهَا إذَا صَادَفَ مِنْ قُلُوبِ سَامِعِيهَا حُبًّا وطَلَبًا، فَأثَارَهُ إثَارَةً مُمْتَزِجَةً بِحَظِّ النَّفْسِ: وهُوَ نَصِيبُهَا مِنَ اللَّذَّةِ والطَّرَبِ الَّذِي يُحْدِثُهُ السَّمَاعُ، فَيَظُنُّ تِلْكَ اللَّذَّةَ والطَّرَبَ زِيَادَةً فِي صَلَاحِ القَلْبِ وإيمَانِهِ وحَالِهِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ، وهُوَ مَحْضُ حَظِّ النَّفْسِ» انْتَهَى.
وَمِنْ هُنَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يُفَتِّشَ نَفْسَهُ ويُكَاشِفَ قَلْبَهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِلْأنَاشِيدِ اليَوْمَ، والله الهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ!
* * *
فَعِنْدَئِذٍ لا تَفْرَحْ! بِمَا يُسَمِّيْهِ بَعْضُ النِّسَاءِ في لَيَالي الأعْرَاسِ: بالطَّرَبِ أو الطَّقِّ الإسْلامِيِّ، ومَا يَجْلِبُوْنَهُ مِنْ مُغَنِّيَاتٍ أو مُنْشِدَاتٍ أو طَبَّالاتٍ؛ تَحْتَ مُسَمَّى: طَقَّاقَاتٍ إسْلامِيَّةٍ([2])!
فإنَّ كَثِيْرًا مِنْ هَذِهِ الشَّوَاكِلِ النَّازِلَةِ في أعْرَاسِ المُسْلِمِيْنَ هَذِهِ الأيَّامَ لا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ مَحْظُوْرَاتٍ شَرْعِيَّةٍ أجْلَبَتْهَا بَعْضُ العُقُوْلِ النَّاقِصَةِ، والنُّفُوْسِ الضَّعِيْفَةِ لَدَى طَائِفَةٍ مِنْ نِسَاءِ المُسْلِمِيْنَ.
فَمِنْ ذَلِكَ: التَّغْبِيرُ الَّذِي ذَمَّهُ أئِمَّةُ السَّلَفِ، حَيْثُ أنَّ أشْعَارَهُم وأغَانِيَهُم تُنْشَدُ بِتَلْحِينٍ وتَمْطِيطٍ وتَطْرِيبٍ وتَكْسِيرٍ، أشْبَهَ مَا يَكُوْنُ بغِنَاءِ أهْلِ الفِسْقِ، كَمَا أنَّهَا أصْبَحَتْ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ المُغَنِّيَاتِ (الطَّقَّاقَاتِ) عَادَةً وفَنًّا وحِرْفَةً، كَمَا هُوَ مَعْلُوْمٌ ومُشَاهَدٌ، ومِنْهُ تَغَالَتِ النِّسَاءُ في أُجْرَةِ هَذِهِ المُنْشِدَةِ (الطَّقَّاقَةِ)!
وكَذَا لم تَسْلَمْ أكْثَرُ هَذِهِ الأعْرَاسِ مِنْ تصْفِيقٍ وتَصْفِيرٍ، ورَقْصٍ وتَثَنٍّ وتَمَايُلٍ مَذْمُوْمٍ، وتَشَبُّهٍ ببَعْضِ ألحَانِ أوْ كَلِمَاتِ أهْلِ الفِسْقِ والمُجُونِ، وغَيْرِ ذَلِكَ ممَّا سَيَأتي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ الله.
* * *
ومِنْ هُنَا كَانَ الإنْشَادُ على قِسْمَيْنِ لا ثَالِثَ لَهُمَا: جَائِزٌ، ومَمْنُوْعٌ.
فأمَّا القِسْمُ الأوَّلُ: فَهُوَ الإنْشَادُ الجَائِزُ الَّذِي أقَرَّتْهُ الشَّرِيْعَةُ، وهُوَ الجَارِي على سَنَنِ العَرَبِ مِنَ قَصَائِدِ الزُّهْدِ والرَّقَائِقِ، والتَّذْكِيرِ والمَوَاعِظِ، والحَمَاسَةِ والإقْدَامِ ونَحْوِهَا... بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ بِنَوْعٍ مِنَ اللَّحْنِ المُعْتَادِ بِدُونِ تَكَلُّفٍ أوْ تَطْرِيبٍ، وذَلِكَ فِي مُنَاسَبَاتٍ وأحَايِينَ يَقْتَضِيهَا الحَالُ: كَحَالِ القِتَالِ والنِّزَالِ والأعْمَالِ الشَّاقَّةِ وحُدَاءِ الرَّكْبِ والقَافِلَةِ وفِي غَيْرِهَا مِمَّا صَحَّتْ بِهِ السُّنَّةُ وعَرَفَتْهَا العَرَبُ فِي سَنَنِ أنَاشِيدِهَا، كَحَالِ الأُمِّ مَعَ طِفْلِهَا، والرَّاعِي مَعَ غَنَمِهِ، وهَكَذَا.
أمَّا القِسْمُ الثَّاني: فَهُوَ الإنْشَادُ المَمْنُوْعُ، الَّذِي خَرَجَ عَنِ اللَّحْنِ المُعْتَادِ الَّذِي تَعْرِفُهُ العَرَبُ في إنْشَادِهَا، ممَّا هُوَ جَارٍ بتَكَلُّفٍ أوْ تَمْطِيطٍ أوْ تَطْرِيبٍ مَصْنُوعٍ أوْ إيقَاعَاتٍ صَوْتِيَّةٍ أوْ أصْوَاتٍ فَاتِنَةٍ... أو اتِّخَاذُهُ عَادَةً; أو مِهْنَةً واحْتِرَافًا، أو تَلَبَّسَ بغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ مِنَ المَحْظُوْرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ... فَهَذَا النَّوْعُ قَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ على تَحْرِيْمِهِ، ومِنْهُم مَنْ حَكَى الإجْمَاعَ عَلَى حُرْمَتِهِ وذَمِّهِ، والله المُوَفِّقُ والهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
* * *
وهُنَا إيْرَادٌ كَثِيْرًا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ عُشَّاقِ الأنَاشِيْدِ المُغَبِّرَةِ هَذِهِ الأيَّامَ: وهُوَ أنَّ الأنَاشِيْدَ (الإسْلامِيَّةَ) صَالِحَةٌ لدَعْوَةِ كَثِيرٍ مِنَ العُصَاةِ الَّذِيْنَ قَدِ ابْتُلُوا بالأغَاني المُحَرَّمَةِ، لِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأنَاشِيْدُ عِنْدَنَا تُعْتَبَرُ بَدِيْلًا صَارِفًا عَنْ مُوَاقَعَةِ المُحَرَّمَاتِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، والوَسَائِلُ لهَا أحْكَامُ المَقَاصِدِ.
قُلْتُ: لاشكَّ أنَّ الفَاسِقَ المِلِّيَّ إذَا عَصَى الله تَعَالى فَهُوَ يَعْتَقِدُ أنَّ مَا يَفْعَلُُهُ حَرَامٌ في الإسْلامِ، كَمَا أنَّه يَخَافُ عُقُوْبَتَهُ، لِذَا تَرَاهُ يَرْجُو التَّوْبَةَ ويَسْألُ الله المَغْفِرَةَ لأنَّه يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ هَذِهِ المَنَاكِيْرِ، ولاسِيَّما الأغَاني مِنْهَا.
فَكَانَ والحَالَةُ هَذِهِ دَفْعُنَا أهْلَ الأغَاني إلى ارْتِكَابِ المَعَاصِي باسْمِ: الأنَاشِيْدِ (الإسْلامِيَّةِ)، وتَسْوِيْغَنَا لَهُم إبْاحَتَهَا يُعَدُّ ذَنبًا آخَرَ أعْظَمَ مِنِ ارْتِكَابِهم للمَعَاصِي على وَجْهِهَا، لأنَّ العَاصِي كَمَا ذَكَرْنَا يَرْتَكِبُ المَعْصِيَةَ عَالمًا أنَّهَا ذَنْبٌ بِخِلافِ هَذِهِ الأنَاشِيْدِ؛ لأنَّهُ سَوْفَ يَسْمَعُهَا على أنَّهَا مُبَاحَةٌ وعَمْلٌ مَبْرُوْرٌ!
فعِنْدَئِذٍ تَكُوْنُ التَّوْبَةُ مِنْهُم مَيْئوسٌ مِنْهَا لأنَّهُم لا يَرَوْنَ في سَمَاعِ الأنَاشِيْدِ المُحَرَّمَةِ غَضَاضَةً أو كَرَاهَةً؛ هَذِه الأُوْلى.
وأمَّا الثَّانِيَةُ: فَقَدْ عُلِمَ بالاضْطِرَارِ في دِيْنِ الإسْلامِ أنَّ النَّبيَّ r وأصْحَابَهُ الكِرَامَ وتَابِعِيْهِم بإحْسَانٍ مِنْ صَالِحِي هَذِهِ الأمَّةِ لم يَكُوْنُوا يَدْعُوْنَ أحَدًا مِنَ العُصَاةِ بطَرِيْقٍ بِدْعِيٍّ أو مُحَرَّمٍ، ولم يَكُوْنُوا يُؤلِّفُوْنَ قُلُوْبَ النَّاسِ بشَيءٍ مِنْ هَذِهِ المُحْدَثَاتِ والمُحَرَّمَاتِ، وإنَّمَا كَانُوا يَدْعُوْنَهُم إلى تِلاوَةِ القُرْآنِ والذِّكْرِ والتَّذْكِيْرِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ تَرْغِيْبًا وتَرْهِيْبًا!
ومَنِ ادَّعَى أنَّه على مَرْتَبَةٍ في الدَّعْوَةِ هِيَ خَيْرٌ ممَّا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ فَقَوْلُهُ مُبْتَدَعٌ مَرْدُوْدٌ سَاقِطٌ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والإجْمَاعِ، ولا يُخَالِفُ في هَذَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُوْمُ النِّفَاقِ!
* * *
والثَّالِثَةُ؛ قَدْ أشَارَ إلَيْهَا شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله؛ حَيْثُ ذَكَرَ مَا نَحْنُ بصَدَدِ الحَدِيْثِ عَنْهُ حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، كَمَا يَلي:
وهَذَا نَصُّ السُّؤالِ كَمَا جَاءَ في «مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى» (11/620): «سُئِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَجْتَمِعُوْنَ على قَصْدِ الكبَائِرِ، مِنَ القَتْلِ، وقَطْعَ الطَّرِيْقِ، والسَّرِقَةِ، وشُرْبِ الخُمُوْرِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ شَيْخًا مِنَ المَشَايخِ المَعرُوْفِيْنَ بالخَيْرِ واتِّبَاعِ السُّنَّةِ مَنَعَ المَذْكُوْرِيْنَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُمْكِنُهُ إلَّا أنْ يُقِيْمَ لَهُم سَمَاعًا يَجْتَمِعُوْنَ فِيْهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وهُوَ بِدُفٍّ بِلا صَلاصِلَ، وغِنَاءُ المُغَنِّي بشِعْرٍ مُبَاحٍ بغَيْرِ شَبَّابَةِ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَابَ مِنْهُم جَمَاعَةٌ، وأصْبَحَ مَنْ لا يُصَلِّي ويَسْرِقُ ولا يُزَكِّي يَتَوَرَّعُ عَنِ الشُّبَهَاتِ، ويُؤدِّي المَفْرُوْضَاتِ، ويَجْتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ، فَهَلْ يُبَاحُ فِعْلُ هَذَا السَّمَاعِ لهَذَا الشَّيْخِ على هَذَا الوَجْهِ؟ لمَا يَتَرتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ المَصَالِحِ، مَعَ أنَّه لا يُمْكِنُهُ دَعْوَتُهُم إلَّا بِهَذَا؟
فأجَابَ رَحِمَهُ الله بجَوَابٍ طَوِيْلٍ، ذَكَرَ فِيْهِ: «بأنَّ الدِّيْنَ قَدْ كَمُلَ، وأنَّهُ يَجِبُ لُزُوْمُ السُّنَّةِ في الدَّعْوَةِ إلى الله تَعَالى، مَعَ ذِكْرِ الأدِلَّةِ على كُلِّ مَسْألَةٍ مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ وأقْوَالِ سَلَفِ الأمَّةِ».
ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ الله: «إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فنَقُوْلُ: إنَّ الشَّيْخَ المَذْكُوْرَ قَصَدَ أنْ يَتُوْبَ المُجْتَمِعُوْنَ على الكَبَائِرِ، فَلَمْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الطَّرِيْقِ البِدْعِيِّ، يَدُلُّ أنَّ الشَّيْخَ جَاهِلٌ بالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي بِهَا تَتُوْبُ العُصَاةُ، أو عَاجِزٌ عَنْهَا، فَإنَّ الرَّسُوْلَ r والصَّحَابَةَ والتَّابِعِيْنَ كَانُوا يَدْعُوْنَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ هَؤلاءِ مِنْ أهْلِ الكُفْرِ والفُسُوْقِ والعِصْيَانِ بالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أغْنَاهُم الله بِهَا عَنِ الطُّرُقِ البِدْعِيَّةِ، فَلا يَجُوْزُ أنْ يُقَالَ إنَّه لَيْسَ في الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي بَعَثَ الله بِهَا نَبِيَّهُ مَا يَتُوْبُ بِهِ العُصَاةِ! فَإنَّه قَدْ عُلِمَ بالاضْطِرَارِ والنَّقْلِ المُتَوَاتِرِ أنَّه قَدْ تَابَ مِنَ الكُفْرِ والفُسُوْقِ والعِصْيَانِ مَنْ لا يُحْصِيْهِ إلَّا الله تَعَالى مِنَ الأمَمِ بالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ فِيْهَا مَا ذُكِرَ مِنَ الاجْتِمَاعِ البِدْعِيِّ، بَلِ السَّابِقُوْنَ الأوَّلُوْنَ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ والأنْصَارِ والَّذِيْنَ اتَّبَعُوْهُم بإحْسَانٍ، وهُمْ خَيْرُ أوْلِيَاءِ الله المُتَّقِيْنَ مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ تَابُوا إلى الله تَعَالى بالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ، لا بِهَذِهِ الطُّرُقِ البِدْعِيَّةِ، وأمْصَارُ المُسْلِمِيْنَ وقُرَاهُم قَدِيْمًا وحَدِيْثًا مَمْلُوءَةٌ مِمَّنْ تَابَ إلى الله واتَّقَاهُ وفَعَلَ مَا يُحِبُّهُ الله ويَرْضَاهُ بالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ لا بِهَذِهِ الطُّرُقِ البِدْعِيَّةِ».
وبِمِثْلِهِ أيْضًا قَالَ رَحِمَهُ الله جَوَابًا لمَنْ يَتَعَلَّلُ بأنَّهُم يَصْطَادُوْنَ بالأنَاشِيْدِ المُطْرِبَةِ والسَّمَاعِ العَوَامَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ!
فَقَالَ (11/601): «وَأمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: هَذِهِ شَبَكَةٌ يُصَادُ بِهَا الْعَوَامُّ.
فَقَدْ صَدَقَ؛ فَإِنَّ أكْثَرَهُمْ إنَّمَا يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ شَبَكَةً لِأجْلِ الطَّعَامِ والتَّوَانُسِ عَلَى الطَّعَامِ.
كَمَا قَالَ الله فِيهِمْ: «يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأحْبَارِ والرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»، ومَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ مِنْ أئِمَّةِ الضَّلَالِ الَّذِينَ قِيلَ فِي رُؤوْسِهِم: «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أطَعْنَا اللَّهَ وأطَعْنَا الرَّسُولَا وقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أطَعْنَا سَادَتَنَا وكُبَرَاءَنَا فَأضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ والْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا».
وأمَّا الصَّادِقُونَ مِنْهُمْ: فَهُمْ يَتَّخِذُونَهُ شَبَكَةً؛ لَكِنْ هِيَ شَبَكَةٌ مُخَرَّقَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الصَّيْدُ إذَا دَخَلَ فِيهَا، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ كَثِيرًا؛ فَإِنَّ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي السَّمَاعِ الْمُبْتَدَعِ فِي الطَّرِيقِ، ولَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أصْلٌ شَرْعِيٌّ شَرَعَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ أوْرَثَتْهُمْ أحْوَالًا فَاسِدَةً!» انْتَهَى.
* * *
خُلاصَةُ الفَصْلِ:
أوَّلًا: لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله قَوْلُهُ: «خَلَّفْتُ بِبَغْدَادَ شَيْئًا أحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ، يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيرَ، يَصُدُّونَ بِهِ عَنِ القُرْآنِ»، وكَذَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ مِن أئِمَّةِ السَّلَفِ: التَّحْذِيْرُ مِنَ التَّغْبِيْرِ، بَلْ عَدَّهُ بَعْضُهُم بِدْعَةً مُحْدَثةً.
ثَانِيًا: فَأمَّا التَّغْبِيرُ: فَهُوَ شِعْرٌ يُغَنِّي بِهِ المُغَنِّي يُزَهِّدُ بِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ التَّلْحِينِ والتَّطْرِيبِ المُعْتَدِلِ!
ثَالِثًا: أنَّ الإنْشَادَ (الإسْلَامِيَّ) المُعَاصِرَ فِي حَقِيقَتِهِ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الحُدَاءِ والنَّصْبِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، لَكِنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنَ المَحْظُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَعِنْدَئِذٍ أصْبَحَ الإنْشَادُ (الإسْلَامِيُّ) اليَوْمَ تَغْبِيْرًا مُحَرَّمًا.
رَابِعًا: كَانَ مِنَ الخَطإ نِسْبَةُ أو إضَافَةُ الإنْشَادَ المُعَاصِرَ إلى الإسْلامِ، وذَلِكَ تَحْتَ مُسَمَّيَاتِ: الإنْشَادِ الإسْلامِيِّ، أو الإنْشَادِ الدِّيْني!
لأنَّ النَّشِيْدَ لَمْ يُشَرِّعْهُ لأمُّتِهِ، ولم يَأمُرْ بِهِ، ولم يَحْتَرِفْهُ أحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أو التَّابِعِيْنَ أو أحَدٌ مِنْ صَالِحِي هَذِهِ الأمَّةِ.
خَامِسًا: أنَّ الإنْشَادَ على قِسْمَيْنِ: جَائِزٌ، ومَمْنُوْعٌ.
القِسْمُ الأوَّلُ: فَهُوَ الإنْشَادُ الجَائِزُ الَّذِي أقَرَّتْهُ الشَّرِيْعَةُ، وهُوَ الجَارِي على سَنَنِ العَرَبِ مِنَ قَصَائِدِ الزُّهْدِ والرَّقَائِقِ، والتَّذْكِيرِ والمَوَاعِظِ، والحَمَاسَةِ والإقْدَامِ ونَحْوِهَا... بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ بِنَوْعٍ مِنَ اللَّحْنِ المُعْتَادِ بِدُونِ تَكَلُّفٍ أوْ تَطْرِيبٍ، وذَلِكَ فِي مُنَاسَبَاتٍ وأحَايِينَ يَقْتَضِيهَا الحَالُ: كَحَالِ القِتَالِ والنِّزَالِ والأعْمَالِ الشَّاقَّةِ وحُدَاءِ الرَّكْبِ والقَافِلَةِ وفِي غَيْرِهَا مِمَّا صَحَّتْ بِهِ السُّنَّةُ وعَرَفَتْهَا العَرَبُ فِي سَنَنِ أنَاشِيدِهَا، كَحَالِ الأُمِّ مَعَ طِفْلِهَا، والرَّاعِي مَعَ غَنَمِهِ، وهَكَذَا.
القِسْمُ الثَّاني: فَهُوَ الإنْشَادُ المَمْنُوْعُ، الَّذِي خَرَجَ عَنِ اللَّحْنِ المُعْتَادِ الَّذِي تَعْرِفُهُ العَرَبُ في إنْشَادِهَا، ممَّا هُوَ جَارٍ بتَكَلُّفٍ أوْ تَمْطِيطٍ أوْ تَطْرِيبٍ مَصْنُوعٍ أوْ إيقَاعَاتٍ صَوْتِيَّةٍ أوْ أصْوَاتٍ فَاتِنَةٍ... أو اتِّخَاذُهُ عَادَةً; أو مِهْنَةً واحْتِرَافًا، أو تَلَبَّسَ بغَيْرِهَا مِنَ المَحْظُوْرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ... فَهَذَا النَّوْعُ قَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ على تَحْرِيْمِهِ، ومِنْهُم مَنْ حَكَى الإجْمَاعَ عَلَى حُرْمَتِهِ وذَمِّهِ.
سَادِسًا: بَيَانُ خَطَإ مَا يَذْكُرُهُ عُشَّاقِ الأنَاشِيْدِ المُغَبِّرَةِ هَذِهِ الأيَّامَ: وهُوَ أنَّ هَذِهِ الأنَاشِيْدَ (الإسْلامِيَّةَ) صَالِحَةٌ لدَعْوَةِ كَثِيرٍ مِنَ العُصَاةِ الَّذِيْنَ قَدِ ابْتُلُوا بالأغَاني المُحَرَّمَةِ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ ثَلاثَةِ أمُوْرٍ.
والحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْنَ
([1]) ولي كِتَابٌ بعِنْوَانِ : «صِيَانَةِ الكِتَابِ»، قَدْ بَيَّنْتُ فِيْهِ بَعْضَ مُخَالَفَاتِ المُؤلِّفِيْنَ والكُتَّابِ في كِتَابَاتِهِم؛ فانْظُرْهُ مَشْكُوْرًا.
([2]) الطَّبَّالُ لُغَةً : صَاحِبُ الطَّبْلِ، وحِرْفَتُهُ الطِّبَالَةُ، لِذَا كَانَ الأوْلى أنْ تُسَمَّى مُغَنِّيَةُ الأعْرَاسِ : طَبَّالَةٌ، أمَّا الطَّقُّ : فَهُوَ حِكَايَةُ صَوْتِ الحِجَارَةِ، والحَالَةُ هَذِهِ فَلَهُ وَجْهٌ في الاسْتِعْمَالِ الجَارِي، والله أعْلَمُ.
وهذا مقال مستل من كتاب
الريح القاصف على أهل الغناء والمعازف ص 446
لشيخ الدكتور/ ذياب بن سعد الغامدي