الرد على كتاب "تكفير أهل الشهادتين" لحاتم العوني، وعلى "مؤتمر الشيشان".
عدد مرات القراءة: 616071
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.
وبعد، فقد وقفتُ مؤخرا على كتابٍ جديدٍ بعنوان "تكفير أهل الشهادتين" لحاتم العوني، فقرأته من بابه إلى محرابه، فوجدتُ صاحبَه رجلا مفتونًا، قد جمع بين تأويلِ الأدلةِ، وتعطيلِ الدّلالةِ، ففيه مناكفةٌ ظاهرةٌ، ومنازعةٌ باردةٌ.
وحسبك أنّ كتابَه المذكورَ قد جمع ثمان بوائق:
١ـ لقد أصَّل منهجَ غُلاةِ المرجئة بأدلة ظاهرُها: الرحمةُ بأهل الكفر والزندقة ـ كغلاة الشيعة، والمستهزئين بشعائر الدين، والمبدلين لأحكام الإسلام -، وباطنُها ‏: تحريفٌ لعقائد المسلمين.
٢ـ لقد سوَّغ للجهلة من المسلمين: مُوجباتِ الكفر والضلال، من خلال توسُّعِه في دعوى الضوابط والقيود التي عارض بها ظواهرَ النصوص الشرعية، وخالفَ فيها إجماعاتِ أهل السنة والجماعة.
٣ـ لقد ابتدع جُملةً من الأعذار التي تُسوِّغُ لأئمة الرَّفضِ والتَّشيع: البقاءَ على موجبات كفرهم، والتَّمادي في غيِّهم وضلالهم، ممّا يخالفُ قواعدَ الشرع، وأصولَ الإسلام: كاعتقادهم تحريفَ القرآن، وتكفيرَ سادات الصحابة، وقذفَ عائشةَ أم المؤمنين.
٤ـ لقد زوَّد الرافضةَ المشركين، والزنادقة المستهزئين بشعائر الدين: بجُملةٍ من الحجج العقلية التي لا تزيدهم إلا كفرا وطغيانا وتطاولا على حجج أهل السنة والجماعة.
٥ـ لقد أصَّل منهجَ العصرانيين والعقلانيين، ومن أخذ بأذنابهم من المنهزمين، بطريق أو آخر.
قال الله تعالى: "هاأنتم هؤلاء جادلتهم عنهم في الحياة الدنيا فمن يُجادلُ اللهَ عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا" (النساء: ١٠٩).
٦ـ لقد ركن إلى مسالمة وملاينة الرافضة المشركين، والزنادقة المستهزئين بأحكام الدين: بدعوى التحذير من منهج التكفيريين والإرهابيين.
٧ـ لقد تحامل ـ في هذا الكتاب وغيره ـ على أهل السنة، لاسيما أئمة الدعوة، والتعريض بسياسة الدولة السعودية في تبنِّيها لمنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
قلت: فكان من تدليساته الفاضحة؛ قوله: بأن الدواعش خِريِّجي كتب أئمة الدعوة، و"الدرر السنية"!
قال الله تعالى: "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" (الكهف:٥).
ومن استقرأ التاريخ - ولاسيما المعاصر منه -: علم يقينا بأن أعظم أسباب خروج الخوارج، والغلاة كالدواعش وغيرهم: هو ظهور غلاة المرجئة، لاسيما مرجئة العصر!
٨ـ لقد تظاهرت لغةُ الكتاب بالعلو والتعالي، والعجب والتّمادي، والله عليم بالظالمين.
عجيبٌ أمرُ هذا العوني: فإنه مفتون بترسيم كتابه: "تكفير أهل الشهادتين"، ومن قبله كتابه البائس: "الولاء والبراء"!
وما هذه المدافعةُ منه في اقتحام هذه العقبة - لاسيما في الموضوعات التي قد أوصدت أبوابها بإجماعات أئمة السلف -: إلا استشرافا منه للمجادلة الباطلة والتعالم البارد الذي لا يزيد المبطلين إلا باطلا، ولا يزيد المتهوّكين إلا غيًّا!
ضعيف هذا العوني!، فإنه في تسويد كتبه هذه لم يزد الأمر إلا "ضِغثٌ على إبَّالة"، وكما قيل: "حَشفةٌ وسُوءُ كَيلة"!
قلت: ومع هذا الاستشراف الذي يُنادي به العوني من خلال مقالاته وكتبه الأخيرة إلا أنَّ قلوب الصالحين من طلابِ العلم لم تستسغْها إلا بشيء من الإحمضاض وقرصِ الشِّفاه!
وهكذا ذهبت به الأهواءُ وحُظوظُ النفس كلَّ مذهب، حتى صار ضيفا حاضرا في كثير من القنوات المشبوهة، واللقاءات المكشوفة، والمؤتمرات المعروفة بعدائها لمنهج السلف وأئمة الدعوة النجدية، مع ما تحمله هذه اللقاءات من عداءٍ ضِمني لدولة التوحيد المتمثّلة في بلاد الحرمين!
ومن خلال قراءتي لبعض كتب العوني التي أخرجها مؤخَّرا، تبيّن لي أنه لم يأتِ بجديدٍ، بل وجدته متابعا لغيره، ومقلدا لشيوخه، غير أنه أجرأهم على المخالفة، وأكثرهم على المجادلة.
كما ألفيتُه كاتبا قد فُتِحَ له بابٌ من الجدل والمجادلة، وبابٌ من السفسطة العقلية، وخَوْخةٌ من الحظوظِ النفسية، وركوبِ الأقوال الشاذة المنكرة، فتعرف منه وتُنكر!
لذا، فإن كتبه الأخيرة لا تحتاج إلى كشفِ زيوفها، وبيانِ أخطائها، وتجريدِ مسائلها، بل وجدت الأمرَ يحتاج إلى بيانِ حقيقة هذا المنهج الفوضوي المتلّون، الذي ظهر مؤخرا، وإلى كشف خطر هذه الطريقة التأويلية التي سلكها العوني، وبعضُ كتاب العصر ممن أسلمت أفكارُهم إلى شيء من الشهرة الإعلامية، والانهزام الفكري، والمناكفة الجدلية، وغير ذلك ممّا تَكنُّه دسائسُ القلوب ودخائلُ النفوس!
هذا، ما يحتاجه كلُّ من أراد أن يردَّ على أخطاء العوني، وعلى أسلافه ممّن سار في نفس هذا المنهج الجديد الذي تنكَّبوا فيه سبيلَ أئمة السلف، وخالفوا فيه طريقةَ أئمة الهدى!
ومن مقت هذا العوني: أنك لا تدخل مكتبةً أو موقعًا إسلاميًّا - عبر الشبكة العنكبوتية - إلا وتجد عشرات الكتب والمقالات - لأهل السنة والجماعة - في الرّدِّ عليه، والتحذيرِ من شطحاته وتهوُّكاته الفجَّةِ الضَّجَّةِ!
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض" أخرجه مسلم.
بل لم ينته الأمر إلى ذلك، بل وجدنا كثيرا من مشايخنا من هيئة كبار العلماء: لم يبرحوا يردُّون على مخالفات العوني، مع التحذير من بعض كتبه ومنهجه الفَجِّ المِعْوجِّ!
فنعوذا بالله من الحَوْر بعد الكَوْر!
ومن بوائق العوني: مشاركته الأخيرة في "مؤتمر الشيشان" (مؤتمر ضرار)، ذلكم المؤتمر الذي تظاهر أصحابُه على منابذة منهج السلف الصالح، المتمثلة في أئمة الإسلام: كالإمام أحمد بن حنبل، وشيخي الإسلام ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، ومن سار على منهجهم في المنهج والاعتقاد!
ومع هذا فإن "مؤتمر الشيشان" لم يكن غريبا على السلفيين: لا في جُملةِ قراراته ولا في ثُلّةِ أنصاره!
فغالب من حضره هم معروفون بأهوائهم وخُرافاتهم: ما بين أشعري مُحترقٍ، أو ماتُريدي متملّقٍ، أو صُوفي خُرافي، أو جاهل حاقدٍ، أو منافق لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كالشاة العائر!
أما من حضره ممن يدّعى قَبِيلَ السلفية: فهو ركوبةُ مَطيّةٍ لأهل الأهواء والبدع: كالتَّيس المستعار الذي يُحلّلُ به أهلُ الأهواء: بدعَهم وخُرافاتِهم، والله بصير بالعباد!
لذا فإن "مؤتمر الشيشان" في حقيقته لم يأت بجديد: إلا أنه جمع نُزَّاعَ أهلِ البدعِ، وشُذّاذَ أهلِ الأهواءِ في نفق واحد: لأجل رمي أهلَ السنة عن قوس واحدة!
لكن يأبى اللهُ والمؤمنون: إلا منهج السلف الصالح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والتابعون، وتابعوهم بإحسان: لا منهجَ غلاة المرجئة، ولا تناقضات الأشاعرة، ولا مخالفات الماتريدية، ولا رقصات الصوفية!
بل ما كان عليه أئمةُ السلف: قولا وعملا، شِرعةً ومنهاجا، وما سواه مطروح منبوذ مهما زيَّنهُ المُبطلون، أو حسَّنهُ المُغرضون، سواء أظهروه بقالاتهم، أو أخفَوْهُ تحت مسمَّى: مؤتمرٍ أو ندوةٍ أو شيءٍ من مؤامرات الشيطان، كما حبكوه في "مؤتمر الشيشان"!
قال الله تعالى: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" (هود ١١٣).
وقال تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" (الأنعام: ٦٨).
فالدّعاوي شيءٌ، وحقيقةُ منهج السلف شيءٌ: لا يعرفُه إلا من سأل اللهَ السلامةَ من البدع وأهلها!
وليَحذَرْ كلُّ مُخالفٍ أو مُناوئٍ لأئمةِ السلف، من الارتكاس والخُسران؛ فإنَّ عاقبتَه إلى وبالٍ، وخاتمتَه في ضلالٍ!
وليس عنَّا عاقبةُ الذين ناصبوا أئمةَ السلف العداءَ؛ حيث تبدَّدت بهم الأحوالُ، وتقاذفت بهم الأهواء؛ حتى آلت نهايتُهم إلى تبابٍ، فما بكت عليهم أرضٌ ولا سماء، بل بقي ذِكرُ أئمةِ السلف ما بقي الليلُ والنهارُ!
فهذا ابنُ حنبلٍ فقد بقي ذكرُه ومنهجُه وفضُله ما بقي أئمةُ السلفِ على رَغمِ أُنوفِ أئمةِ الجهميةِ والمعتزلةِ وأهلِ الضلال، وذا ابنُ تيميةَ فقد بقي ذكرُه وفضلُه وعلمُه ما بقيت الطائفةُ المنصورةُ على رَغمِ أُنوفِ أئمةِ الأشاعرةِ، وغُلاةِ الشيعةِ، وجُهالِ الصوفيةِ، وهذا ابنُ عبد الوهابِ فقد بقي ذكرُه وعلمُه وفضلُه ما بقي أهلُ التوحيدِ على رَغمِ دُعاةِ الشركِ، والقَبوريين!
أمّا خبرُ المناوئين لأئمة السلف: فقد كُبكِبتْ كُتبُهم في مزبلة التاريخ، ورَسَفت أفكارُهم في أغلال التّباريح، فلا يتكلّفُها إلا بعيدُ البصيرة، ولا يتطلّبُها إلا بائسُ العشيرة!
"ذلك ذكرى للذاكرين" (هود: ١١٤).
والتّاريخ شاهدٌ وشهيدٌ؛ فيا أيُّها السّلفيُّ الصادقُ المخلصُ: دَعْ عنك كلامَ المُتهوِّكين، وقَالاتِ المُتلوِّنين من أهل زماننا، ولاسيما ممَّن تغامس بين ظَهْرانَيْ أهلِ السنةِ، وتدثَّر بظاهرِ أثوابِهم، ممَّن كشَّروا مؤخرا عن وجوهِهم الكالحة، وأقوالهم الفاضحة، ممّن عُرفوا اليوم بلحنِ القولِ، وضُروبِ الحماقة والصفاقة، والله المستعان على ما يصفون!
وقد قال تعالى: "ولتعرفنّهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم" (محمد: ٣٠).
وأخيرا؛ فإنِّي أُذكِّرُ نفسي والعوني: بأن يتقي الله فيما يأتي ويذر، وأن يَكفَّ عن أغاليطه المنهجية، ومنازعاته العلمية، وألا يفرح بكثرة من يصفقون له؛ فإنا نسمع لهم اليوم جعجعةً ولا نرى لهم طِحنًا!
كما إني أهمس في أُذُنِ العوني سرًا لا جهرًا: إني أخاف عليك من الجري وراء هذا المنهج المتلوّن والتّمادي في أوديته: بأن تتقاذف بك الأهواءُ يومًا إلى الرُّكون الى حالة لا يقبلها إنسٌ ولا جانٌّ، والله على ما أقول شهيد!
كما يجب على العوني، وكل من يدعي سبيل الدعوة السلفية: أن يُنكر على "قرارت مؤتمر الشيشان" ببيان صوتي أو خطي يُبيِّن فيه منكرات المؤتمر جملةً وتفصيلا؛ وأن يحذِّر من منهج الأشاعرة والماتًريدية والصوفية، ومن كلِّ جماعة تُخالفُ منهجَ السلفِ الصالحِ أهلِ السنة والجماعة، وإلا فقد كذَّب فعلُه قولَه، ونقضَ آخرُه أوّلَه!
وفي الختام، فإني أسألُ اللهَ لي وللعوني: الهدايةَ، واتَّباعَ منهج السلف ظاهرا وباطنا!
وأن يعود العوني إلى عرينه - كما عهدناه قديما -: ذابًّا عن السنة وأهلها، ومنابذًا للبدعة وأهلها!
وهذا حُسنُ ظنِّنا بكلِّ سليلٍ لبيت النبوة من أهل العلم؛ فإنهم على منهج النبوة حذو القذة بالقذة لم يُؤثروا على السنة أحدا، ولم يركنوا إلى تلاعيب أهل الأهواء والبدع أبدا!
وكتبه 
الشيخ د/ ذياب بن سعد الغامدي.
( 17/ 12/ 1437)

 
اسمك :  
نص التعليق : 
      
 
 
 

 
 
 اشتراك
 انسحاب
اشتراك
انسحاب
 المتواجدون حاليا: ( 25 )
 الزيارات الفريدة: ( 2649159)