حكم صلاة من يَلْحَنُ في قراءة الفاتحة
عدد مرات القراءة: 6285
السؤال: ما حكم صلاة من يَلْحَنُ في قراءة الفاتحة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.
وبعد؛ فلا شك أنّ المسلم مأمور أن يقرأ القرآن على الوجه المشروع، كما كان يقرأه السّلف من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، فإنّ القراءة سنّةٌ يأخذها الآخرُ عن الأوّل.
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال:
«القراءةُ سُنّةٌ»، وفي لفظ: عن محمّد بن المنكدر: «قراءة القرآن سنّة، يأخذها الآخر عن الأوّل» أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (67)، والطّبراني في «المعجم الكبير» (4855)، والبيهقي في «السّنن الكبرى» (2/196)، وفي «شعب الإيمان» (2425)، وغيرهم.
ومع هذا؛ فإننا نجد بعض المشتغلين بعلم القراءات وأحكام التجويد لا يستأخرون من إطلاق القول ببطلان كل قراءة تضمنت لحنًا دون تفصيل، مما دفع بعضهم إلى القول ببطلان الصلاة إذا كان اللحن في الفاتحة؛ لأنها ركن؛ لَاسيما في حق الإمام والمنفرد!
لأجل هذا؛ فقد أحببت أن أقف مع حكم صلاة من يلحن في الفاتحة من خلال المسلك الفقهي، والله أعلم.
فأقول: وبالله التوفيق.
إنّ صلاة من يلحن في قراءة الفاتحة، لا تخلو من حالتين:
الحالة الأولى: من يلحن في قراءة الفاتحة؛ لكنه لا يُحيل المعنى، فهذا صلاته صحيحة اتفاقا.
مثل من يقرأ قوله تعالى:
﴿الحمد للّه ربِّ﴾، بفتح الباء، أو بضمها.
ومثل من يقرأ:
﴿الحمدُ للّه﴾، بكسر الدّال أو فتحها، وأمثال ذلك مما فيه تغييرُ الحركات الإعرابية أو ترك القلب والإدغام في موضعه، أو قطع ألف الوصل ونحو ذلك: فهذا لا يُعدّ لحنًا؛ لكنه خلاف القراءة الصحيحة.
الحالة الثانية: من لحنُه في قراءة الفاتحة يُحيل المعنى، مثل من يقرأ قوله تعالى: ﴿أنعمتَ﴾، بضمّ التّاء المفتوحة الدّالّة على ضمير المُتكلّم، و﴿إيّاكَ﴾: بضم الكاف، أو كسرها.
وأصحاب هذه الحالة لهم صورتان:

الصورة الأولى: إذا كان يعلم أن لحنه يحيل المعنى، فهذا لا تصحّ صلاته؛ لأنّه متلاعب في صلاته!
أمَّا لو أنّه قصد حقيقة ضَمِّ التّاء الدّالّة على ضمير المُتكلّم - أي: قصد بأنَّه هو نفسُهُ المُنْعِمُ -: فهذا كفرٌ بالله –عياذا بالله!- ولا أظنّ مسلما يقصد هذا!

الصورة الثانية: إذا لم يعلم أنّ هذا ضمير المتكلّم أو لم يقصد معناه، بل يعتقد أنَّه ضمير المخاطِبِ: ففيه نزاع بين أهل العلم.
والصحيح: أنّ صلاته صحيحة، وأنّه يجب عليه أن يتعلم القراءة الصّحيحة للآية؛ حتى لا يستمر لحنه في تغيير المعنى من حق إلى باطل!
قلت: بأن صلاته صحيحة؛ لأنّ بُطلان العبادة يحتاج إلى دليل ظاهر خالٍ من المعارض أو الاحتمال؛ لاسيّما أنّ أكثر المسلمين –رجالا ونساء- لَا يحسنون أحكام القراءة والتّجويد.
والقول ببطلان صلاتهم - والحالة هَذِهِ -: فيه تكليف بما لا يُطاق؛ لأنّ اللحن وفساد اللسان العربي قد فسد عند أكثر المسلمين اليوم؛ سواء في الجزيرة العربية أو في غيرها، وهم مع هذا اللحن المنتشر عندهم لا يقصدون حقيقة المعنى الباطل، بل هذا مبلغ علمهم وقدر استطاعتهم، كما قال تعالى:
﴿لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها﴾ [البقرة:286]، وقال تعالى: ﴿فاتّقوا الله ما استطعتم﴾ [التغابن:16]، وقال النّبيّ ﷺ: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه.


املاه
أ.د/ ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي.

الطائف المأنوس
حرر في يوم الثلاثاء، الموافق (16/صفر/1446)

 
 
اسمك :  
نص التعليق : 
      
 
 
 

 
 
 اشتراك
 انسحاب
اشتراك
انسحاب
 المتواجدون حاليا: ( 45 )
 الزيارات الفريدة: ( 2648870)