|
|
|
الاسْتِعَاضَةُ بالتَّارِيْخِ المِيلاديِّ
إنَّ الاسْتِعَاضَةَ بالتَّارِيْخِ المِيلاديِّ عَنِ التَّارِيْخِ الهِجْرِيِّ؛ لَهُوَ نَفَقٌ مِنْ أنْفَاقِ التَّشَبُّهِ المَقِيْتِ، وانْحِنَاءٌ لِلرُّؤُوْسِ بَيْنَ يَدَي الثَّقَافَةِ الغَرْبِيَّةِ؛ نَاهِيْكَ أنَّهَا مَسْخٌ للهُوِيَّةِ الإسْلَامِيَّةِ .
ومِنْ مُسَلَّمَاتِ العُلُومِ ودَارَاتِ المَعَارِفِ؛ أنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ تَارِيخًا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا، ويَخُصُّهَا عَمَّا سِوَاهَا، فَإلَيْهِ تُنْسَبُ كُلُّ أحْدَاثِهَا وأمْجَادِهَا وحَضَارَتِهَا، كَمَا تُعَلِّقُ عَلَيْهِ أشْرَفَ لَحَظَاتِهَا وأنْفَسَ شُؤُونِ حَيَاتِهَا، مِنْ عِبَادَاتٍ وعَادَاتٍ وأحْكَامٍ وأحْدَاثٍ وكَوَائِنَ، سَوَاءٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ دِينِهَا، أو دُنْيَاهَا على حَدٍّ سَوَاءٍ .
لِذَا فَالتَّارِيخُ قَبْلَ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ أُمَّةٍ حِسَابًا لأيَّامِهَا، وظَرْفًا لأحْدَاثِهَا : فَهُوَ في حَقِيقَتِهِ شِعَارٌ لَهَا، ورَمْزٌ لِشَخْصِيَّتِهَا، ومَيْزَةٌ لَهَا عَنْ غَيْرِهَا : فَهُوَ عِبَادَةٌ، قَبْلَ أنْ يَكُونَ عَادَةً تَارِيخِيَّةً لَيْسَ غَيْرَ!
لأجْلِ هَذَا فَقَدْ أجْمَعَ الصَّحَابَةُ ومَنْ بَعْدَهُم جِيْلا بَعْدَ جِيْلٍ على اعْتِبَارِ التَّارِيخِ الهِجْرِيِّ الَّذِي بَدَؤُوهُ مِنْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ إلى المَدِينَةِ، وأرَّخُوهُ مِنَ اليَوْمِ الأوَّلِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فَكَانَ بِدَايَةُ تَارِيخِ الأُمَّةِ الإسْلامِيَّة مِنْ (1/1/1هـ)، ومَا كَانَ مِنْ أحْدَاثٍ تَارِيخِيَّةٍ قَبلَ الهِجْرِةِ، قَالُوا عَنْهُ : قَبْلَ الهِجْرَةِ، ومَا كَانَ بَعْدَهَا، أرَّخُوهُ : بِالهِجْرَةِ، وهَكَذَا .
كَمَا أنَّهُم أرَّخُوا التَّارِيخَ الهِجْرِيَّ بِالحِسَابِ القَمَرِيِّ الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ شَرْعًا؛ حَيْثُ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الأهِلَّةَ مَوَاقِيْتَ لِلنَّاسِ .
قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿يَسْألونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِّ﴾ (البقرة: 189)، وقَالَ تَعَالَى : ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً في كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرْضَ﴾ (التوبة: 36) .
وقَالَ ﷺ : «إذا رَأيْتُمُ الهِلالَ فصُومُوا، وإذَا رَأيْتُمُوْهُ فأفْطِرُوا؛ فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُم فاقْدِرُوا لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وهَذِهِ النُّصُوصُ وغَيْرُهَا قَاطِعَةٌ بِوُجُوبِ اعْتِبَارِ التَّقْوِيمِ القَمَرِيِّ، مِمَّا يُؤَكِّدُ وُجُوبَ الأخْذِ والعَمَلِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الحِسَابَاتِ، والتَّقَاوِيمِ الأُخْرَى .
وهَذَا مَا أجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ زَمَنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى يَوْمِنَا هَذَا؛ حَتَّى إذَا أدْبَرَ الزَّمَانُ، واسْتَحْكَمَ الضَّعْفُ بِكَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، لاسِيَّما عِنْدَ إسْقَاطِ الخِلافَةِ الإسْلامِيَّةِ عَامَ (1342)، جَاءَ حِينَهَا فُلُولُ العَسَاكِرِ الصَّلِيبِيَّةِ غَائِرَةً على أكْثَرِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ، فَعِنْدَهَا تَغَيَّرَتْ مَعَالِمُ إسْلامِيَّةٌ كَثِيرَةٌ، مَا بَيْنَ عَقِيدَةٍ وأخْلاقٍ وغَيْرِهَا، فَكَانَ مِنْهَا :
إدْلافُ التَّارِيخِ المِيلادِيِّ إلى كَثِيرٍ مِنْ تِلْكُمُ البِلادِ الَّتِي مَسَّهَا احْتِلالٌ صَلِيبِيٌّ، وذَلِكَ في الوَقْتِ الَّذِي غُيِّبَ فِيْهِ التَّارِيخُ الهِجْرِيُّ الَّذِي بَقِيَ أكْثَرَ مِنْ ألْفِ سَنَةٍ عَزِيزًا مَنِيعًا شَامِخًا، فَاللهُ المُسْتَعَانُ!
* * *
□ لأجْلِ هَذَا؛ كَانَ مِنْ تَنْوِيرِ الأبْصَارِ، وتَلْقِيحِ الأفْكَارِ أنْ أُمِدَّ إخْوَانِي المُسْلِمِيْنَ بِشَيْءٍ مِنْ تَارِيخِ وحُكْمِ : التَّارِيخِ المِيلادِيِّ، على وَجْهِ الاخْتِصَارِ .
التَّارِيخُ المِيلادِيُّ :
لَقَدْ بَاتَ التَّارِيخُ المِيلادِيُّ مَعْلُومًا عِنْدَ الرُّومَانِ مُنْذُ (750 ق.م)، وكَانَ تَقْوِيمُهُ قَمَرِيًّا، تَتَألَّفُ السَّنَةُ فِيْهِ مِنْ عَشْرَةِ شُهُورٍ فَقَط؛ حَتَّى جَاءَ مَلِكُ رُومَا «تُومَا الثَّانِي» (716 ـ 673 ق.م) الَّذِي أضَافَ شَهْرَيْ «يَنَايِر، وفُبْرَايِر»، وأصْبَحَتِ السَّنَةُ تَتَألَّفُ مِنْ (355) يَوْمًا .
ومَعَ مُرُورِ الأيَّامِ تَغَيَّرَتْ الفُصُولُ المُنَاخِيَّةُ عَنْ مَكَانِهَا تَغَيُّرًا كَبِيرًا، وفي سَنَةِ (46 ق.م) اسْتَدْعَى الإمْبِرَاطُورُ الرُّومَانِيُّ «يُولْيُوسَ قَيْصَرْ» الفَلَكِيَّ المُنَجِّمَ المَصْرِيَّ «سُورِيجِينَ» مِنَ الإسْكَنْدَرِيَّةَ طَالِبًا مِنْهُ وَضْعَ تَارِيخٍ حِسَابِيٍّ، يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، ويُؤَرَّخُ بِهِ، فَاسْتَجَابَ الفَلَكِيُّ المِصْرِيُّ، ووَضَعَ تَارِيخًا مُسْتَنِدًا إلى السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، وهَذَا يُعْتَبَرُ أوَّلَ تَحَوُّلٍ في التَّارِيخِ : مِنَ القَمَرِيِّ إلى الشَّمْسِيِّ!
وبِالتَّالي تَحَوَّلَ الرُّومَانِيُّونَ مِنَ العَمَلِ بِالتَّقْوِيمِ القَمَرِيِّ إلى التَّقْوِيمِ الشَّمْسِيِّ، وسُمِّيَ هَذَا التَّارِيخُ : بِالتَّارِيخِ «اليُولْيَانِيِّ» نَسْبَةً إلى الإمْبِرَاطُورِ «يُولَيُوسَ قَيْصَرْ»، وبَقِيَ هَذَا التَّارِيخُ مَعْمُولًا بِهِ في أوْرُوبَّا، وبَعْضِ الأُمَمِ الأُخْرَى قَبْلَ وبَعْدَ مِيلادِ المَسِيحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ .
ومِنْ هُنَا؛ جَاءَ دَوْرُ المُلُوكِ ورِجَالِ الكَنِيسَةِ مِنَ الرُّهْبَانِ والقَسَاوِسَةِ الَّذِيْنَ كَانَ لَهُم يَدٌ سَوْدَاءُ في تَحْرِيفِ وتَغْيِيرِ الإنْجِيلِ، ثُمَّ جَاءَتْ التَّغَيُّرَاتُ مِنْهُم والتَّعْدِيلاتُ الَّتِي أجْرَوْهَا على التَّارِيخِ الَّذِي ادَّعَوْهُ وألْصَقُوهُ بِمِيْلادِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ زُوْرًا وكَذِبًا، مِمَّا يَعْنِي أنَّ ثَمَّةَ انْطِبَاعًا بِالاهْتِمَامِ الدِّينِيِّ النَّصْرَانِيِّ بِمَوْضُوعِ التَّارِيخِ؛ يُوْضِّحُهُ .
أنَّ النَّصَارَى مُنْذُ قُرُونٍ، وهُم مُسْتَمِرُّوْنَ على العَمَلِ بِالتَّقْوِيمِ الشَّمْسِيِّ دُونَ رَبْطِهِ بِالتَّارِيخِ المِيلادِيِّ؛ حَتَّى القَرْنِ السَّادِسِ أو القَرْنِ الثَّامِنِ مِنْ مِيلادِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ ثُمَّ جَاءَ دَوْرُ التَّغْيِيرِ والافْتِرَاءِ فَقَدَّمُوا وحَرَّفُوا مِنَ التَّارِيخِ مَا يَتَوَافَقُ مَعَ بِدَايَةِ التَّارِيخِ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي يَبْدَأُ مِنْ أوَّلِ السَّنَةِ المِيلادِيَّةِ، نِسْبَةً مِنْهُم إلى مِيْلادِ المَسِيحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وأن تَكُونَ بِدَايَةُ هَذَا التَّارِيخِ (1ـ يَنَايِر ـ1) مِيلادِي، وهُوَ يَوْمُ خِتَانِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَمَا زَعَمُوا؛ حَيْثُ إنَّ مِيلادَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَمَا يُقَالُ كَانَ في (25ـ ديسمبر) (كَانُونَ الأوَّلَ)، وعِنْدَهَا عُرِفَ هَذَا التَّارِيخُ : بِالتَّارِيخِ المِيلادِيِّ .
ونَخْلُصُ مِنْ هَذَا بِأنَّ المِيلادَ الحَقِيقِيَّ لِلمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ سَابِقٌ لِبَدْءِ التَّارِيخِ المِيلادِيِّ بِقُرُونٍ عَدِيدَةٍ؛ لِذَا يَنْبَغِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ التَّارِيخِ المِيلادِيِّ، ومِيلادِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ لأنَّ اصْطِلاحَ قَبْلَ المِيلادِ أو بَعْدَهُ تَارِيخِيًّا لا يَصْدُقُ مَعَ حَقِيقَةِ مِيْلادِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السُّلامُ فِعْلِيًّا .
وقَدْ اسْتَمَرَّ العَمَلُ بِهَذَا التَّارِيخِ إلى عَهْدِ بَابَا النَّصَارَى «جُورِيجُورِي الثَّالِثَ عَشَرَ» الَّذِي قَامَ بِإجْرَاءِ تَعْدِيلاتٍ على «التَّارِيخِ اليُولْيَانِيِّ» لِتَلافِي الخَطَأِ الوَاقِعِ فِيْهِ، وهُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلسَّنَةِ الحِسَابِيَّةِ على السَّنَةِ الفِعْلِيَّةِ لِلشَّمْسِ مِمَّا أدَّى إلى وُجُودِ فَرْقٍ سَنَوِيٍّ قَدْرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ دَقِيقَةٍ بَيْنَ الحِسَابِ والوَاقِعِ الفِعْلِيِّ، فَقَامَ «البَابَا» بِإصْلاحِ هَذَا الفَرْقِ، وسُمِيَّ هَذَا التَّعْدِيلُ بِالتَّارِيخِ «الجُورِيجُورِي»، وانْتَشَرَ العَمَلُ بِهِ في غَالِبِ الدُّوَلِ النَّصْرَانِيَّةِ .
لِذَا؛ فَقَدْ بَاتَ لَدَى مُفَكِّرِي النَّصَارَى أنَّ التَّارِيخَ المِيلادِيَّ القَائِمَ اليَوْمَ لَيْسَ حَقِيقِيُّ التَّحْدِيدِ، بِلْ هُوَ «التَّارِيخُ الجُورِيجُورِي»، غَيْرَ أنَّ بَعْضَ الفَلَكِيِّينَ يَرَوْنَ أنَّهُ سَيَحْتَاجُ قَطْعًا يَوْمًا مِنَ الأيَّامِ إلى تَعْدِيلٍ آخَرَ، إذَا كَانَ الهَدَفُ هُوَ المُحَافَظَةُ على انْطِبَاقِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ على الفُصُولِ الأرْبَعَةِ .
وبِنَاءً على مَا تَقَدَّمَ فإنَّ التَّارِيخَ المِيلادِيَّ في الأصْلِ كَانَ رُومَانِيًّا، عَدَّلَهُ بَعْضُ المُلُوكِ والرُّهْبَانِ النَّصَارَى، ونَسَبُوهُ لِمِيلادِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ نِسْبَةً جُزَافِيَّةً بَعْدَ مِيْلادِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسِتَّةِ أو ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ تَقْرِيبًا، وقَدْ أقَرَّ بَعْضُ البَاحِثِينَ النَّصَارَى بِخَطَأِ هَذِهِ النِّسْبَةِ .
* * *
فَائِدَةٌ :
مِنْ نَافِلَةِ العِلْمِ؛ أنَّ الأشْهُرَ المِيلادِيَّةَ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْهَا السَّنَةُ المِيلادِيَّةُ، هِيَ في الأصْلِ تَعُودُ لِتَمْجِيْدِ التَّارِيخِ الشَّمْسِيِّ المِيلادِيِّ لاثْنَيْ عَشَرَ إلَهًا مَزْعُومًا مِنْ آلِهَةِ الرُّومَانِ الأُسْطُورِيَّةِ!
كَمَا تَعُودُ بَعْضُهَا أيْضًا إلى تَمْجِيْدِ قَائِدَيْنَ مِنْ قُوَّادِ الرُّومَانِ وهُمَا : «يُولْيُوسُ قَيْصَرْ» الَّذِي أُطْلِقَ اسْمَهُ على الشَّهْرِ السَّابِعِ بِاسْمِ : «يُولْيُو»، و«أُغُسْطُسْ» الَّذِي أُطْلِقَ اسْمَهُ على الشَّهْرِ الثَّامِنِ «أُغُسْطُسْ»، ولَقَدْ قَامَ مَجْلِسُ الشُّيُوخِ في عَهْدِهِ بِتَعْدِيلِ أيَّامِ الشَّهْرِ إلى وَاحِدٍ وثَلاثِينَ يَوْمًا بَدَلًا مِنْ ثَلاثِينَ يَوْمًا؛ لأنَّهُ أحْرَزَ في هَذَا الشَّهْرِ أعْظَمَ انْتِصَارَاتِهِ، وكَذَا «يُولْيُو» .
بَعْدَ هَذَا يَتَّضِحُ لَنَا أنَّ التَّارِيخَ المِيلادِيَّ نَتَاجُ عَمَلٍ بَشَرِيٍّ خَالِصٍ مَوْلُودٍ في بِيئَةٍ رُومَانِيَّةٍ، وحَضَانَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ، ونَشَأَ بِرِعَايَةِ القَيَاصِرَةِ، وتَعْدِيلاتِ البَابَوَاتِ والرُّهْبَانِ، ولَم يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ مِيلادِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقُرُونٍ مُتَعَدِّدَةٍ، ولَم يُبْنَ على مَوْلِدِهِ بِيِقِينٍ .
* * *
قَالَ شَيْخُنَا بَكْرٌ أبُو زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ في حَاشِيَةِ كِتَابِهِ «المَدْخَلِ المُفَصَّلِ» (12) : «شَرَفٌ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وِحْدَتُهُم في التَّارِيخِ مِنْ مُهَاجَرِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ حَرَسَهَا اللهُ تَعَالَى إلى المَدِينَةِ حَرَسَهَا اللهُ تَعَالَى، ولِهَذِهِ الوِحْدَةِ التَّارِيخِيَّةِ، فَإنَّ العُلَمَاءَ المُتَقَدِّمِينَ لَم يَكُونُوا يَضَعُونَ حَرْفَ : «هـ» بَعْدَ التَّارِيخِ، رَمْزًا لِلتَّارِيخِ الهِجْرِيِّ؛ لِوِحْدَةِ التَّارِيخِ لَدَيْهِم، وعِلْمِهِم بِهِ، ولأنَّهُ لَيْسَ قَدِيمًا لِغَيْرِهِ كَالتَّارِيخِ المِيلادِيِّ؛ وكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ قَفَى عَمَلَ المُسْلِمِيْنَ بِعَدَمِ وَضْعِ الرَّمْزِ : «هـ» وعَدَمِ مُقَابَلَتِهِ بِالتَّارِيخِ المِيلادِيِّ هُوَ الشَّيْخُ أحْمَدُ شَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، ولِهَذَا لَو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا وَضَعْتُ هَذَا الرَّمْزَ؛ لأنَّهُ لَيْسَ لَدَيْنَا ـ مَعَاشِرَ المُسْلِمِيْنَ ـ تَارِيخٌ سِوَاهُ» انْتَهَى .
ومَعَ هَذَا؛ فإنَّنَا لم نَزَلْ نَجِدُ كَثِيْرًا مِنَ المَكْتَبَاتِ الإسْلامِيَّةِ، ومِنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ مُوْلَعِيْنَ بالتَّارِيْخِ المِيَلَادِيِّ؛ إمَّا لاجْتِهَادٍ ظَنُّوْهُ سَدِيْدًا، أوْ تَقْلِيْدٍ ظَنُّوْهُ تَقَدُّمًا وتَجْدِيْدًا .
لأجْلِ هَذَا؛ فَقَدِ التَزَمْتُ في كِتَابَاتي، ولله الحَمْدُ : التَّارِيْخَ الهِجْرِيَّ، وطَرَحْتُ مَا سِوَاهُ ـ المِيْلادِيَّ ـ إلَّا مَا لا بُدَّ مِنْهُ، كمَا سَيَأتي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللهُ .
كُلُّ هَذَا لِعُمُوْمِ الفَائِدَةِ المُحَصَّلَةِ عِنْدَ القَارِئ المُسْلِمِ؛ نُصْرَةً للتَّارِيْخِ الإسْلامِي مِنْ وَطْأةِ الانْهِزَامِ التَّارِيْخِي أمَامَ الغَرْبِ، أو مِنَ المُجَارَاةِ للتَّبَعِيَّةِ لهم!
قَالَ اللهُ تَعَالى : «أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» (البقرة: 61) .
في حِيْنِ أنَّنِي أنَاشِدُ كُتَّابَ المُسْلِمِيْنَ أنْ يَفِيْقُوا لتَارِيْخِهم، وأنْ يَحْفَظُوا للأمَّةِ حَوَادِثَهُم بالتَّوَارِيْخِ الهِجْرِيَّةِ لَفْظًا وخَطًّا، وأنْ يَحْبِسُوا أقْلامَهُم عَنْ أمْرَيْنِ :
الأمْرُ الأوَّلُ : عَنْ مُكَاتَبَةِ التَّارِيْخِ المِيْلادِي .
الأمْرُ الثَّاني : وكَذَا عَنْ مُقَابَلَةِ التَّارِيْخِ المِيْلادِي أمَامَ التَّارِيْخِ الهِجْرِي، إلَّا مَا لا بُدَّ مِنْهُ :
1ـ كالتَّوارِيْخِ المِيْلادِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الهْجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ .
2ـ أو ممَّا كَانَ فِيْهِ لَبْسٌ عِنْدَ اجْتِماعِ التَارِيْخِ الهِجْريِّ، والتَارِيْخِ المِيْلادِيِّ .
3ـ أو كَانَ للتَّارِيْخِ المِيَلَادِيِّ اشْتِهَارٌ عِنْدَ عَامَّةِ النَّاسِ، ففِي الحَالَتَيْنِ الأخِيْرَتَيْنِ؛ فَإنَّنَا نَجْمَعَ بَيْنَ التَّارِيْخَيْنِ : الهِجْريِّ والمِيْلادِيِّ .
الشيخ الدكتور/ ذياب بن سعد الغامدي
صيانة الكتاب
ص582
|
|
|
|
|