الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.
أما بعد، فهذا جواب مختصر عن بعض الأسئلة التي وردت إلينا من بعض طلاب العلم حول مراتب محقِّقي عصرنا، وعن قيمة تحقيقاتهم!
فأقول وبالله التوفيق: إن الجواب عن مراتب محققي كتب الإسلام يحتاج إلى تحريرٍ وتفصيلٍ ممّٓا سيُخرجنا عن مراد الاختصار!
لأجل هذا، فقد أرتأيت أن أقف على طرفٍ من الجواب مما فيه مقنعٌ لمن رام معرفة مراتب محققي عصرنا!
اعلم رحمنا الله وإياك: أنّٓ اللهٓ تعالى قد وفّٓقني إلى النظر إلى أعمال كثير من محققي عصرنا منذ ظهور المطابع في العالم الإسلامي إلى يومنا هذا!
فوجدتهم على قسمين، كما يلي: مشاركون، وراسخون.
١- فأما المشاركون، فهم أيضا على قسمين:
متخصِّصون في التحقيق، ومتقمِّصون لأعمال التحقيق!
فالأول منهما: فيُؤخذُ منهم ويُرد، ومع هذا فهم مجتهدون ومأمونون في النقل والعزو!
وكثيرٌ منهم أيضا: تحقيقاته إلى الشرح أقرب منها إلى التوثيق، فتجده شغوفا بالتعريفات الاصطلاحية، والتراجم الإعلامية، والتخريجات الحديثية، والملحوظات النقدية، وغير ذلك ممّٓا فُتِنٓ به كثيرٌ من محقِّقي عصرنا، ولاسيما محققي الرسائل الجامعية!
والثاني منهما: فيُردُ عليهم ولا يُؤخذ، ولا كرامة!
فهم صعاليكُ تحقيقٍ، ومتشبِّعون بمالم يُعْطٓوا!
٢- وأما الراسخون في التحقيق، فهم أيضا على قسمين:
فالأول منهما: من تُشترٓى تحقيقاتُهم بالذهب الأحمر الخالص، مهما غلت أثمانُها، أو ارتفعت قيمتُها، فهي واللهِ الغنيمةُ التي لا يُساميها عِزُّ الداهم والدنانير!
أمثال: تحقيقات أحمد شاكر، وعبد السلام هارون، ومحمد محي الدين عبد الحميد، وإحسان عباس، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ومحب الدين الخطيب، ومحمد رشاد سالم، وعبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، وعادل جمال، والسيد أحمد صقر، وحمد الجاسر، وعبد الفتاح أبو غدة، وعبد الرحمن العثيمين، وغيرهم من الأموات رحمهم الله جميعا.
أما من الأحياء، فأمثال: شعيب الأرناؤوط، ومشهور حسن، ومحمد بن ناصر العجمي، ونظر الفريابي، ومحمد عزير شمس، وعلي عمران، وطارق عوض، وماهر الفحل، ومازن السرساوي، وغيرهم.
وكثير منهم للأسف: قد تٓغيّٓر بآخٓرة!
وقد قيل: عليكم بمن قد مات، فإنّٓ الحيّٓ لا تُؤمنُ عليه الفتنةُ!
وآية ذلك: أنّٓ كثيرا من المحققين كانوا على الجادة في التحقيق، والغاية في التدقيق؛ حتى إذا تكاثرت عليهم المخطوطات، وتزاحمت عليهم المكتبات التجارية (لسبب أو لآخر!): انقلبوا على أعمال التحقيق مشرفين لا متشرفين، ومدققين لا محققين، فعندها استعانوا بمكاتب تحقيق، وطلاب مدققين، فمن هنا تكاثروا علينا بتحقيقات لا قِبٓلٓ لنا بها، وفي كلِّ خيرٌ!
والثاني منهما: من تُوزنُ تحقيقاتُهم بالذهب، لا تُشترٓى بدنانير الذهب، بل تُقابل تحقيقاتُهم بوزنها ذهبًا مِثلًا بمِثلٍ!
أمثال: تحقيقات عبد الرحمن المعلمي، ومحمود شاكر، وبشار عواد معروف، ولا أعلم لهما رابعًا، فهؤلاء ممن وقف عندهم فلكُ التحقيق غايةً وآيةً!
فالأول والثاني منهم: مُحقِّقٌ مُتحقِّقٌ لكنّٓه مُقلٌّ، والثالث منهم: مُحقِّقٌ مدقِّقٌ مُكثرٌ، والله تعالى أعلم.
وأخيرا؛ فهذا جواب مختصر، جاء أكثره من الذاكرة، ومن أراد زيادة تفصيل، فلينظر كتابي: "صيانة الكتاب" (٢٥٠ - ٢٦٥).
وكتبه
الشيخ د/ ذياب بن سعد الغامدي
ليلة الجمعة الموافق (٦/ ٤/ ١٤٣٧)