س/ شيخنا المبارك نريد منكم توضيحا مختصرا عن الطريقة العلمية التي من خلالها نتسطيع أن نتعرّف على حقيقة سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والله يحفظكم.
ج/ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد كثُر الكلام مؤخرا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ما بين مادحٍ وبين قادحٍ، ولاسيما عند من لا خلاقَ لهم: لا في علمٍ، ولا في صدقٍ!
فمِثلُ شيخِ الإسلام ابن تيمية فارسِ المعقول والمنقول: لا يحتاج إلى تعريف به، فسيرتُه قد بلغت الأفاق، وسار بها الركبان، وبلغت مبلغ الليل والنهار، وأقرَّ بها الموافق والمخالف إلا ممن غلبه جهلُه أو أصمَّه هواه!
وليس المقام هناك مقام تذكير بسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فسيرته في الجمله لا تخفى على عامة المسلمين، فضلا عن خاصتهم من أهل العلم والإيمان.
لكنَّ المرغوب مني هنا: تذكيرٌ بتحقيق معرفة شيخ الإسلام ابن تيمية لا غير، وذلك من خلال معالم عريضة يستطيع بها طالب العلم أن يصل إلى معرفة حقيقة سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، علما بأنني قد تكلمت عن سيرة هذا الإمام بشيء من الاختصار تحت عنوان: "الشذرات الذهبية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" أسأل الله تيسير إتمامه وتحقيق مرامه، آمين!
فأقول باختصار: من أراد معرفة تحقيق سيرة عالم من علماء المسلمين، لاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية، فعليه معرفة ما يلي:
أن يُفرقِّ بين المترجِم - بكسر الجيم -، والمترجَم - بفتح الجيم -.
فالمترجِم -بكسر الجيم -: هو من يقوم بكتابة الترجمة والسيرة، وهذا أيضًا على قسمين:
مترجِم عن نفسه، ومترجِم عن غيره.
فأما المترجم عن نفسه: فهو من يقوم بكتابة سيرته العلمية والعملية، وهو ما يسمى عند المتأخرين: بالسيرة الذاتية، وهذه الطريقة في الترجمة هي أثبت تحقيقا وأدق علما، لكونها بقلم صاحبها، وهو شاهد وشهيد على نفسه، فمثل هذه السيرة تعتبر قاضية على كل ما سواها، وقد قيل: صاحب الدار أدرى بما فيها!
ومع هذه الميزة العلمية التي تتألق في هذه الطريقة إلا أنها لا تخلو من استكثار في بعض الأحايين إلا ما ندر، فانتبه!
أما المترجِم عن غيره: فهو من يقوم بكتابة سيرة غيره، فمستقل ومستكثر، وغالب هذه التراجم لا تخلو من إفراط أو تفريط، فليحذر طالب العلم الانسياق في كل ما يكتب فيها إلا بعد التثبت والتحقيق!
وأصحاب هذا القسم: أنواع وطبقات:
فمنهم من يكون تلميذا لصاحب الترجمة، وهؤلاء منهم صاحب ملازمة طويلة، ومنهم من دون ذلك!
ومنهم من ينقل عن تلاميذ المترجَم - بفتح الجيم -.
ومنهم من ينقل بواسطة نازلة.
ومنهم ناقل ومنهم قائل، وكل هذه الطرائق في التراجِم: لا تخلو من مادح أو قادح، ومن غالٍ ومن جافي.
قلت: ومهما تنوعت طرق التراجم، أو تفاضلت مسالك السِّيَر إلا أن هناك طريقين مهمين في معرفة سيرة كل إمام من أئمة المسلمين، لاسيما سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهما طريقان لا يحسنهما إلا صفوةُ طلاب العلم، وهما:
طريقة الخاصة، وطريقة خاصة الخاصة.
فأما طريقة الخاصة: فهي معرفة سيرة الإمام عن طريق قراءة كتبه ومصنفاته، بعد قراءة كتب ترجمته عند أهل التراجم والسير والطِّباق، وهذه طريقة الخاصة، ولا أظن طالبَ علمٍ يجهل هذه الطريق!
أما طريقة خاصة الخاصة: فهي طريق لا يعرفها كثير من طلاب العلم، فضلا عن غيرهم!
وهي مع هذه الغاية وهذه الدراية: إلا أنها للأسف قليلٌ من تنبَّه إليها، أو أشاد بها، أو حثَّ عليها!
إنها طريقة مثلى ومدارك عظمى، لا تدرك بشيء من طرق التراجم المذكورة آنفًا!
إنها: طريقة الاستقراء والسَّبر والنظر... من خلال الاطلاع على جميع مصنفات كتب أئمة الإسلام، أو على أكثرها، لاسيما على مصنفات العلماء الربانيين منهم!
وسبيل ذلك أمران:
أولا: بأن يقوم طالبُ العلم بقراءة أكثر مصنفات أئمة الإسلام قديما وحديثا، حتى إذا استقرت معالمها في قلبه، وتحققت مناهجها في علمه، قام ثانيا: بقراءة كتب ومصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
حتى إذا تحقَّق من قراءة مصنفات أئمة الإسلام، ثم عارضها على مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية، فحينها سيعلم، وربِّ الكعبة: قَدْرَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل إخالُه سيعرف حقيقة هذا الإمام: علمًا وفهمًا وحجةً ومحجةً ونزعًا ومنزعًا ووفاقًا واتفاقًا واستدلالًا وتعليلًا!
كما سيعلم يقينا: بأن ابن تيمية لا يحبه إلا صاحب سنة، ولا يبغضه إلا مبتدع أو جاهل!
ومن التَّذكير بأيام الله تعالى: أننا لا نعلم أحدًا ناصبَ العداءَ لابن تيمية إلا خذله الله تعالى، أو كساه جلبابَ الهوان، أو قذفه في أودية النسيان، فلله الأمرُ من قبل ومن بعد!
فمن لم يقف على هذه الطريقة، فلن يقف بنفسه على تمام حقيقة معرفة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعليه فلا يَعُدُّ نفسَه من خاصة الخاصة، والله تعالى أعلم.
وكتبه
الشيخ د/ ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي.
يوم السبت ( ١١ / ٥ / ١٤٣٧ ).