حكم حلق اللحية.
عدد مرات القراءة: 627294
حكم حلق اللحية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.
لقد كثُر السؤالُ هذه الأيام عن حكم حلق اللحية، وهل حلقها محرم أو مكروه أو مباح؟
وهل هناك فرق بين حلقها وتقصيرها؟ وغير ذلك من الأحكام المتعلقة باللحية.
قلت: إنَّ الحديث عن مسألة حلق اللحية متوقفٌ على بعض المقدمات العلمية والتاريخية على حدٍّ سواء!
والتي من خلالها نستطيع أن ندرك الحكم الشرعي المتعلق بحلق اللحية إن شاء الله.
وعليه؛ فهذه بعض المقدمات العلمية والتاريخية المتعلقة بمسألة اللحية:
أولا: أنَّ مشروعية إعفاء اللحية ممَّا أجمعت عليه كلُّ الأمم السابقة، سواءٌ كان بطريق الشرع أو بأصل الفطرة!
ثانيا: أنَّ إعفاء اللحية من الفطر التي فطر الله عليها العباد، ولم يخالف في ذلك إلا من انحرفت فطرتُه!
ثالثا: أنَّ حلق اللحية لم يفعله أحدٌ من الأنبياء والأولياء والأتقياء على مرِّ الدهور والعصور، وهذا ممّا أجمعت عليه الأممُ السابقة.
رابعا: أنَّ حلق اللحية لم يفعله أحد في سائر الأمم إلا شواذ الرجال من اليهود والنصارى والمشركين والمجوس، كما دلَّ عليه شاهد الحال.
خامسا: أنَّ حلق اللحية لم يظهر هذه الأيام عند كثير من أبناء المسلمين إلا بعد الاحتلال الصليبي اليهودي، الذي حلَّ بكثير من بلاد المسلمين!
الأمر الذي يدلُّنا على أنَّ مسألة حلق اللحية لم تكن من مسائل الفقه الخلافية بقَدْر ما كانت من العادات الشاذة المنحرفة التي خلَّفها رجال الاستعمار إبَّان الحروب - الصليبية اليهودية - الأخيرة!
وآية ذلك: أنك تجد كثيرا ممّن يحلق لحيته من المسلمين، قد وفَّر شاربه، وربما أطاله عن الحد الشرعي، وكل هذا مخالفة منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذ من شاربه؛ فليس منّا" الترمذي.
فهم لم يقتصروا على حلق اللحية، بل وفَّرُوا الشارب تشبّهًا منهم بأهل الغرب عياذا بالله، فتأمل!
سادسا: أنَّ المتقدمين من أئمة الإسلام لم يتكلموا عن مسألة حلق اللحية ضمن مؤلفات مستقلة، بل كان حديثهم عنها تِباعًا ضمن كتب الفقه والآداب الشرعية ليس إلا!
وما كان هذا منهم إلا لسابق علمهم بأنّ اللحيةَ أضحت من شعائر الإسلام الظاهرة، كما أنها غدت من الفِطَرِ التي جُبِلَ عليها أصحابُ الرجولة وأربابُ الفحولة!
سابعا: أنَّ أهل العلم فرَّقوا بين حكم إعفاء اللحية وبين تقصيرها وحلقها، كما يلي:
أولا: فإن مرادهم بإعفاء اللحية: هو تركها على حالها، دون عبث بها أو تقصير.
وهذا الإعفاء ممّا أجمع عليه أئمة الإسلام، ولا نعلم لهم خلافا إلا فيما زاد من اللحية على قبضة اليد، كما سيأتي ذكرُه إن شاء الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين، ووفروا اللِّحى، وأحفوا الشوارب" متفق عليه.
وفي رواية: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى"، وفي رواية أخرى: "خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"، وفي رواية: "جزُّوا الشوارب، وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس"، وغيرها كثير جدا.
ومنها أيضا: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان موفرا لحيته، وكانت لحيتُه كثّةً كثيفةً طويلةً تملأ صدره، وقد قال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" {الأحزاب: 21}.
وقد تحصل من مجموع الأحاديث النبوية خمس روايات كما يلي: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا.
ومعناها كلها: هو ترك شعر اللِّحية على حالها - دون تقصيص أو تقصير؛ فضلا عن حلقها - كما تقتضيه ظواهر ألفاظ الأحاديث الصحيحة، وهذا ممّا نص عليه عامة المحققين من أهل العلم.
قلت: وعليه؛ فإنه لا يجوز لمسلم، فضلا عن طالب علم: أن يُعرض بوجهه عن هذه الأوامر النبوية الشرعية، ثم يعارضها بأقوال الرجال، ولاسيما المتأخرين منهم!
ثانيا: أنَّ مرادهم بتقصير اللحية: هو أخذ ما زاد على القبضة.
وقد وقع خلاف بين أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة، على قولين:
١- منهم من حرَّم أخذ ما زاد على القبضة، كما دل عليه عموم أدلة وجوب إعفاء اللحية، كما جاء ذكرها آنفا.
٢- ومنهم من أباح أخذ ما زاد على القبضة، ولهم فيما ذهبوا إليه بعض الآثار الصحيحة -عن بعض الصحابة - مما تدل بمجموعها على جواز الأخذ على ما زاد على القبضة.
وأصحاب هذا القول مختلفون أيضا في حكم مشروعية هذه الإباحة، على ثلاثة أقوال: الإباحة أو الاستحباب أو الوجوب!
 قلت: والتحقيق في الأقوال: أنَّ القول بجواز أخذ ما زاد على القبضة له نصيبٌ من الدليل، لاسيما في الحج والعمرة، وليس هذا محل تحريره وتفصيله.
ثالثا: أنَّ مرادهم بحلق اللحية: هو أخذ بعض شعر اللحية ممّا هو دون القبضة، سواءٌ كان تقصيرًا لها، أو حلقَها بالكلِّية، أو تقصيرَ بعضها وحلقَ بعضها، كما يفعله اليوم كثيرٌ من أبناء المسلمين ممّن تشبهوا بعادات أهل الغرب.
قلت: فإنَّ هذا الحلقَ - أو التقصيرَ - ممّا أجمع أهلُ العلم على تحريمه، ولا أعلم أحدًا أباحه منهم، إلا بعض المنتسبين إلى قبيل العلم من فقهاء عصرنا!
أمَّا مسألة تهذيب ما شذَّ من شعر اللحية: فليس في شيء من مسألتنا هنا؛ لأنّ عامة أهل العلم المحققين على إباحته: تجميلا للحية وتكميلا لهيئاتها.
وشرطُ التهذيب: ألا يتجاوز به المسلم حجمَ اللحية وحدودَ هيئتها، والله أعلم.
وأخيرا، فإني أوصي نفسي وعموم المسلمين بثلاث وصايا:
الأولى: أن يعفي كل مسلم لحيته: اتِّباعًا لأمر الله ورسوله، وتشبُّهًا بالنبي المختار، والأصحاب الأطهار، والأولياء الأبرار، وتحقيقًا للفطرة السليمة، والأخلاق المستقيمة.
 كما أنها زينةُ الرجولة وآيةُ الفحولة!
أما حلقُها: فهو مخالفةٌ لأمر الله ورسوله، ومخالفةٌ للفطرة السليمة، ومُثْلةٌ مُنكرةٌ،  وتغييرٌ لخلق الله، وتشبّهًا بالنِّساء واليهود والنصارى والمجوس.
فاللهَ اللَّهَ: كيف سيلقى الحليقُ مُنكرًا ونكيرًا في قبره، أم كيف سيلقى ربَّه ونبيَّه والمؤمنين يوم حشره؟!
"فإنَّ المرءَ يُبعث على ما مات عليه" الحديث.
الثانية: وأوصيهم أيضا بأن يأخذوا علمَهم وفتاويَهم من أهل العلم الربانيين، لاسيما هذه الأيام التي كَثُر فيه القرّاء، وقلَّ فيه الفقهاء، وتجرأ فيه الأدعياء على الفُتيا والتدريس، والله المستعان!
الثالثة: كما أوصيهم: بأن يُصدروا عن أقوال أئمة الدين ممن لهم قدمُ صدقٍ في العلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان: كالأئمة الأربعة، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن القيم، وابن عبدالوهاب، وابن باز، والألباني، والعثيمين، والجبرين، وغيرهم ممن عاشوا في أكناف السنة وماتوا عليها، فإنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة!
كما أنني قد أدرتُ القلمَ في تأليف مصنفٍ لطيفٍ في تحرير مسألة اللحية تحت عُنوان: "الحِلية في حكم الشارب واللِّحية" أسألَ الله تيسيره آمين!

وكتبه 
الشيخ د/ ذياب بن سعد الغامدي.
( ٨ / ١١ / ١٤٣٧ )
 
اسمك :  
نص التعليق : 
      
 
 
 

 
 
 اشتراك
 انسحاب
اشتراك
انسحاب
 المتواجدون حاليا: ( 26 )
 الزيارات الفريدة: ( 2649115)