علاقة البدع بالمعصية والفرق بينهما
|
|
|
عُلاقَةُ البِدَعِ بالمَعْصِيَةِ
بَعْدَ التَّتَبُّعِ، والاسْتِقْرَاءِ فِي أحْكَامِ أهْلِ الفِسْقِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ؛ اتَّضَحَ لَنَا وانْقَدَحَ وللهِ الحَمْدُ: أنَّ مُعْظَمَ أحْكَامِ أهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ مَأخُوْذَةٌ مِنْ أحْكَامِ أهْلِ الفِسْقِ، والعِصْيَانِ، فِي الجُمْلَةِ.
يَوْضِّحُه: أنَّ أكْثَرَ أدِلَّةِ السَّلَفِ فِي تَعَامُلِهِم، وأحْكَامِهِم مَعَ أهْلِ البِدَعِ هَي: أدِلَّةُ التَّعَامُلِ مَعَ أهْلِ الفِسْقِ والمَعَاصِي، وحَسْبُكَ مِنْ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصْحِيْحَيْنِ مِنْ قِصَّةِ الثَّلاثَةِ الَّذِيْنَ خُلِّفُوْا: (كَعْبُ بنُ مَالِكٍ، ومَرَارَةُ بنُ الرَّبِيْعِ، وهِلالُ بنُ أمَيَّةَ؟!)، فِي غَزْوَةِ تَبُوْك، فَفِيْهَا مِنْ الأحْكَامِ الكَثَيْرَةِ، والفَوَائِدِ الغَزِيْرَةِ الَّتِي تَصْلُحُ أنْ تُسْتَقَلَّ بِكِتَابٍ؛ وهُوَ كَذَلِكَ.
ومِنْ خِلالِ هَذِهِ القِصَّةِ أخَذَ كَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ غَالِبَ أحْكَامِ التَّعَامُلِ مَعَ أهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ!
وهَكَذَا نَجِدُ الإمَامَ أبَا دَاودَ رَحِمَهُ اللهُ وغَيْرَه مِنْ أهْلِ «السُّنَنِ" يَسْرِدُ أحَادِيْثَ ذُكِرَتَ فِي حَقِّ العُصَاةِ؛ ويَسْتَشْهِدُ بِهَا فِي عُمُوْمِ أهْلِ الأهْوَاءِ.
فَنَرَاهُ مَثَلًا يَذْكُرُ قِصَّةَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ وصَحْبِهِ الَّذِيْنَ تَخَلَّفَوا فِي غَزْوَةِ تَبُوْكَ فِي كِتَابِ «السُّنَّةِ" تَحْتَ عِنْوَانِ (بَابِ مُجَانَبَةِ أهْلِ الأهْوَاءِ وبُغْضِهِم).
وكَذَا ذَكِرَ تَحْتَ عِنْوَانِ (بَابِ تَرْكِ السَّلامِ عَلى أهْلِ الأهْوَاءِ) حَدِيْثَ تَرْكِهِ ﷺ رَدَّ السَّلامِ عَلى عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِيْنَ تَخَلَّقَ بالزَّعْفَرَانِ.
ومِنْ خِلالِ هَذِهِ الأحَادِيْثِ وغَيْرِهَا اسْتَشْهَدَ بِهَا أيْضًا الإمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَلى أهْلِ البِدَعِ حَيْثُ يَقُوْلُ: «وأمَّا المُبْتَدِعُ، ومَن اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيْمًا ولَم يَتُبْ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أنْ لا يُسَلَّمَ عَلَيْهِ، ولا يُرَدَ عَلَيْهِم السَّلامُ، كَذَا قَالَ البُخَارِيُّ وغَيْرُه مِنَ العُلَمَاء.
وكَذَا قَالَ المُهَلَّبُ: «تَرْكُ السَّلامِ عَلى أهْلِ المَعَاصِي سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، وبِهِ قَالَ كَثِيْرٌ مِنْ أهْل العِلْمِ فِي أهْلِ البِدَعِ".
ويَقُوْلُ الإمَامُ ابنُ القَيَّمِ فِي مَعْرِضِ ذِكْرِهِ لِفَوَائِدِ غَزْوَةِ تَبُوْكِ: «ومِنْهَا تَرْكُ الإمَامِ والحَاكِمِ رَدَّ السَّلامِ عَلى مَنْ أحْدَثَ حَدَثًا تَأدِيْبًا لَهُ، وزَجْرًا لِغَيْرِهِ؛ فَإنَّهُ ﷺ لَم يُنْقَلْ أنَّهُ رَدَّ عَلى كَعْبٍ؛ بَلْ قَابَلَ سَلامَهُ بِتَبَسُّمِ المُغْضَبِ".
ويَقُوْلُ أيْضًا الحَافِظُ بنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: «وقَدْ ذَهَبَ جَمْهُوْرُ العُلَمَاءِ إلى أنَّهُ لا يُسَلَّمُ عَلى الفَاسِقِ، ولا المُبْتَدِعِ".
* * *
فِي حِيْنَ أنَّنَا نَجِدُ أدِلَّةَ الكِتَابِ والسُنَّةِ القَاطِعَةِ فِي تَحْرِيْمِ البِدَعِ؛ خَرَجَتْ مَخْرَجَ العُمُوْمِ دَوْنَ تَفْصِيْلٍ فِي الغَالِب الأعَمِّ، فَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلَهُ ﷺ: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ولِمُسْلم ٍ«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ"، أي: مَرْدُوْدٌ، قَالَهُ ابنُ قُدَامَةَ رَحِمَهُ اللهُ.
وقَوْلَهُ ﷺ: «... وإيَّاكُم ومُحْدَثَاتِ الأمُوْرِ، فَإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" أحْمَدُ، وأبُو دَاودَ،والتِّرْمِذِيُّ، وعَنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «إنَّ خَيْرَ الحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وخَيْرَ الهَدْيَ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وشَرَّ الأمُوْرِ مُحَدَثَاتُها، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ".
وعَنْ عَلي بنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، ولَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأرْضِ، ولَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، ولَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعَلى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ؛ نَجِدُ جَمْعًا مِنْ أهْل العِلْمِ قَالَوا بِهِ؛ لا سِيَّمَا فِي شَرْحِهِم للحَدِيْثِ الَّذِي فِي الصَّحِيْحَيْنِ عَنْهُ ﷺ فِيْمَا رَوَاه عَنْهُ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وفِيْهِ:... المَدِيْنَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إلى كَذَا، فَمَنْ أحْدَثَ فِيْهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، والمَلائِكةِ، والنَّاسِ أجْمَعِيْنَ"، فَالإحْدَاثُ الوَارِدُ فِي هَذَا الحَدِيْثِ وإن كَانَ مُتَجِهًا لأهْلِ الفِسْقِ فَهُوَ شَامِلٌ للبِدْعَةِ لأنَّهَا إحْدَاثٌ فِي الدِّيْنِ؛ بَلْ مِنْ بَابِ أولَى!
سُئِلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ: (الحَدَثِ) الوَارِدِ فِي الحَدِيْثِ فَقَالَ: «أصْحَابُ الفِتَنِ كُلُّهُم مُحْدِثُوْنَ، وأهْلُ الأهْوَاءِ كُلُّهُم مُحْدِثُوْنَ" رَوَاهُ ابنُ بَطَّةَ.
ولِهَذَا أورَدَ الإمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ هَذَا الحَدِيْثَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ«الاعْتِصَامُ".
واللَّعَنُ عَلى الإحْدَاثِ وإنْ جَاءَ مُقَيْدًا بالإحْدَاثِ فِي المَدِيْنَةِ؛ إلاَّ أنَّ حُكْمَهُ عَامٌ فِي كُلِّ مُحْدَثٍ.
ويَقُوْلُ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الحَدِيْثِ مُعَلِّلًا إيْرَادَ البُخَارِيِّ لَهُ فِي كِتَابِ الاعْتِصَامِ: «والغَرَضُ بإيْرَادِ الحَدِيْثِ هُنَا: لَعْنُ مَنْ أحْدَثَ، فَإنَّهُ وإنْ قِيْلَ فِي الخَبَرِ بالمَدِيْنَةِ فَالحُكْمُ عَامٌ فِيْهَا وفِي غَيْرِهَا إذَا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الدِّيْنِ".
وقَدْ رَوَى ابنُ وَضَّاحٍ عَنْ أسَدِ بنِ مُوسَى أنَّهُ قَالَ: «... قَدْ وَقَعْتِ اللَّعْنَةُ مِنْ رَسُوْل اللهِ ﷺ عَلى أهْل الأهْوَاءِ، وإنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنْهُم صَرْفًا، ولا عَدْلًا، ولا فَرِيْضَةً، ولا تَطَوَّعًا".
وقَالَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بِصَدَدِ هَذِهِ المَسْألَةِ بَعْدَ أنْ سَاقَ الحَدِيْثَ: «وهَذَا الحَدِيْثُ فِي سِيَاقِ العُمُوْمِ؛ فَيَشْمَلُ كُلَّ حَدَثٍ أُحْدِثَ فِيْهَا مِمَّا يُنُافِي الشَّرْعَ، والبِدَعُ مِنْ أقْبَحِ الحَدَثِ، وقَدْ اسْتَدَلَ بِهِ مَالِكٌ فِي مَسْالَةٍ تَأتِي فِي مَوْضِعِهَا بِحَوْلِ اللهِ، وهُوَ وإنْ كَانَ مُخْتَصًا بالمَدِيْنَةِ فَغَيْرُهَا أيْضًا يَدْخُلُ فِي المَعْنَى".
وهَذَا شَيْخُنَا العُثَيْمِيْنُ رَحِمَهُ اللهُ يؤَكِّدُ مَا ذَكَرْنَا، عَنْدَمَا قَاسَ بَعْضَ أهْلِ البِدَعِ عَلى أهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ المُسْلِمِيْنَ بِقَوْلِهِ: «والمُرَادُ بِهُجْرَانِ أهْلِ البِدَعِ: الابْتِعَادُ عَنْهُم، وتَرْكُ مَحَبَّتِهِم، ومُوَالاتِهِم، والسَّلامِ عَلَيْهِم، وزَيَارَتِهِم، وعَيَادَتِهِم، ونَحْوِ ذَلِكَ، وهُجْرَانُ أهْلِ البِدَعِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُوْنَ باللهِ واليَوْمِ الآخَرِ يُوَادُّوْنَ مَنْ حَاد اللهَ ورَسُوْلَهُ﴾ [المُجَادِلَةُ: 22]، ولأنَّ النَّبِيَّ ﷺ هَجَرَ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ، وصَاحِبَيْه حِيْنَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوْكَ".
* * *
ومِنْ خِلالِ هَذَا نَسْتَطِيْعُ القَوْلَ: بأنَّ أدِلَّةَ التَّحْرِيْمِ والتَّحْذِيْرِ مِنَ البِدَعِ عَامَّةُ، أمَّا التَّفْصِيْلاتُ كَالمَنْعِ مِنْ زِيَارَتِهِم، وهَجْرِهِم، والصَّلاةِ خَلْفِهِم... إلخ، كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ أدِلَةِ أهْلِ الفِسْقِ والمَعَاصِي؛ وعَلَيْهَا جَرَى القِيَاسُ؛ بَلْ مِنْ بَابِ أوْلَى!
فَهَذَا شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ اللهُ يُقِرِّرُ هَذِهِ المَسْألَةَ فِي غَيْرِ كِتَابٍ لَهُ، فَمِنْ مَعَانِي كَلامِهِ: أنَّهُ يُعَامَلُ (أيْ: أهْلَ البِدَعِ) مُعَامَلةَ الفَاسِقِ، وفِي ذَلِكَ أهْلِ البِدَعِ (أيْ: البِدَعِ فِي العَقَائِدِ)، وأهْلِ الأهْوَاءِ.
وكَذَا قَالَ الشَّيْخُ حُمُوْدٌ التِّوَيْجِرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَ أنْ أوْرَدَ بَعْضَ الأحَادِيْثِ فِي تَرْكِ النَّبِيِّ ﷺ السَّلامَ عَلى بَعْضِ أصْحَابِ المَعَاصِي: «والاسْتِدْلالُ بَهَذَيْنِ الحَدِيْثَيْنِ عَلى تَرْكِ السَّلامِ عَلى أهْلِ الأهْوَاءِ، وبِحَدِيْثِ كَعْبٍ عَلى مُجَانَبَتِهِم فِي غَايَةِ القُوَّةِ والمُنَاسَبَةِ، لأنَّ الجَمِيْعَ مُشْتَرِكُوْنَ فِي اسْمِ المَعْصِيَةِ؛ إلاَّ أنَّ مَعْصِيَةَ هَؤلاءِ المَذْكُوْرِيْنَ فِي هَذِهِ الأحَادِيْثِ خَفِيْفَةٌ بالنِّسْبَةِ إلى مَعْصِيَةِ أهْلِ الأهْوَاءِ".
ومِنْ خِلالِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا؛ كَانَ لَنَا أنْ نُقَرِّرَ: أنَّ أحْكَامَ أهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ فِي الجُمْلَةِ مَأخُوْذَةٌ مِنْ أحْكَامِ أهْلِ الفِسْقِ، فَلْيَكُنْ مِنْكَ هَذَا عَلى ذُكْرٍ، واللهُ أعْلَمُ.
الفَوَارِقُ بَيْنَ المَعَاصِي والبِدَعِ
وبَعْدَ هَذَا التَّقْرِيْرِ المَزْبُوْرِ آنِفًا؛ فَلا شَكَّ أنَّ هُنَالِكَ فَوَارِقَ كَبِيْرَةً بَيْنَ البِدْعَةِ والمَعْصِيَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ كَمَا أنَّ بَيْنَهُمَا تَشَابُهًا مِنْ وَجْهٍ، فَبَيْنَهُم خُصُوْصٌ وعُمُوْمٌ، فَمِنْ ذَلِكَ عَلى سَبِيْلِ التَّنْبِيْهِ:
ـ المُفَارَقَاتُ بَيْنَهُمَا:
الأوَّلُ: أنَّ البِدْعَةَ أعْظَمُ ذَنْبًا وضَرَرًا مِنَ المَعْصِيَةِ، فِي حَيْنَ أنَّ ضَرَرَ المَعْصِيَةِ لا يَرْتَقِي إلى مَنْزِلَةِ البِدْعَةِ.
الثَّانِي: أنَّ البِدْعَةَ أعَمُّ مِنَ المَعْصِيَةِ، فَكُلُّ بِدْعَةٍ مَعْصِيَةٌ، ولَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ بِدْعَةٌ.
الثَّالِثُ: أنَّ صَاحِبَ البِدْعَةِ يَعْمَلُ البِدْعَةَ ظَنًّا مِنْهُ أنَّهَا مِنَ الشَّرِيْعَةِ، وهَذَا بِخِلافِ صَاحِبِ المَعْصِيَة فَهُوَ يَعْمَلُهَا مَعَ عِلْمِهْ أنَّهَا مَعْصِيَةٌ للهِ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: أنَّ صَاحِبَ البِدْعَةِ يَعْصِي اللهَ تَعَالَى مِنْ بَابِ الشُّبُهَاتِ، أمَّا صَاحِبُ المَعْصِيَة فَهُوَ يَعَصِي اللهَ تَعَالَى مِنْ بَابِ الشَّهَوَاتِ، والحَالَة ُهَذَهِ كَوْنَ البِدَعِ أشَدُّ ضَرَرًا وهَوَىً عَلى صَاحِبِهَا وعَلى الدِّيْنِ مِنْ صَاحِبِ المَعْصِيَةِ.
الخَامِسُ: أنَّ صَاحِبَ المَعْصِيَةِ أقْرَبُ إلى التَّوْبَةِ مِنْ صَاحِبِ البِدْعَةِ.
السَّادِسُ: أنَّ البِدْعَةَ فِيْهَا اسْتِدْرَاكٌ عَلى الشَّرِيْعَةِ بِوَجْهٍ أو آخَر، وهَذَا بِخِلافِ المَعْصِيَةِ فَصَاحِبُهَا يَعْلَمُ أنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الدِّيْنِ بِشَيء.
السَّابِعُ: أنَّ البِدْعَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ أحْكَامُهَا إذَا خَرَجَتْ مَخْرَجَ اللُّغَةِ فَقَطُّ، بِخِلافِ المَعْصَيَةِ فَهِيَ مَذَمُوْمَةٌ مُطْلَقًا (لُغَةً وشَرْعًا).
الثَّامِنُ: أنَّ المَعْصِيَةَ قَدْ تُبِيْحُهَا الحَاجَةُ أو الضَّرُوْرَةُ، وهَذَا بِخِلافِ البِدْعَةِ فَلَيْسَ فِيْهَا شَيءٌ مِنْ ذَلِكَ.
* * *
المُوَافَقَاتُ بَيْنَهُمَا:
الأوَّلَ: أنَّ كِلَيِهِمَا مَعْصِيَةٌ للهِ تَعَالَى؛ فَلَيْسَ فِيْهُمَا مَا هُوَ حَسَنٌ أو مَقْبُوْلٌ فِي مِيْزَانِ الشَّرِيْعَةِ.
الثَّانِي: أنَّ كِلَيْهِمَا يَنْقَسِمُ إلى قِسْمِيْنِ: (مُكِفِّرٌ، وغَيْرِ مُكِفِّرٍ).
الثَّالِث: الحُكْمُ عَلى الفِعْلِ دَوْنَ الفَاعِلِ، وذَلِكَ بانَّ البِدْعَةَ بِدْعَةٌ، والمَعْصِيَةَ مَعْصِيَةٌ دَوْنَ تَرَدُّدٍ، أمَّا صَاحِبَاهُمَا فَلا يُحْكَمُ عَلى أحَدِهِمَا بانَّهُ مُبْتًدِعٌ أو فَاسِقٌ حَتَّى تَقُوْمَ الحُجَّةُ وتَنْتَفِي المُوَانِعُ فِي حَقِّهِمَا.
الشيخ الدكتور
ذياب بن سعد الغامدي
أحكام المجاهرين بالكبائر
ص 33
|
|
|
|
|