بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيد الأولين والآخرين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى أخي الحبيب، والشيخ الأريب: أبي فواز سعد بن فواز الصميل، حفظه الله وبارك في جهوده وسدد خطاه.
لقد وصلني كتابكم الكبير: «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» للإمام الحجة الحافظ إمام المفسرين: أبي جعفر مُحَمّد بن جرير الطبري، المتوفى سنة (٣١٠)، رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
لقد وقفت على طبعتكم الجديدة لكتاب «جامع البيان»، وقد قرأت «مقدمته وتخريجه وصيانته وفهارسه» وغير ذَلِكَ من مسائله وبحوثه، وعليه فقد أحببت أن أجر رأس القلم حول مَا رأيتُ ومَا قرأتُ، وذَلِكَ ضمن أربع وقفات مختصرة من خلال: التذكير بأهمية الطبعة الجديدة، وبالنصيحة للقائمين على مكتبة «دار ابن الجوزي»، وبأهمية تفسير الطبري، وبذكر جهود المحقق، وهَذَا شروع بيانها على وجه الاختصار:
الوقفة الأولى: طبعة دار ابن الجوزي لكتاب «جامعِ البيان للطبري».
اعلم رحمك الله: أنّ «جامعَ البيان للطبري» كان مفقودًا زمنًا لَيْسَ بالقليل؛ حتى بشرت المطبعة الميمنية بطبعه في سنة (١٣٢١) تقريبا، في مصر في ثلاثين مجلدا، ثم طبع في مكتبة مصطفى البابي الحلبي في عشرة مجلدات، سنة (١٣٢١)، ثم طبعة بولاق سنة (١٣٢٣)، في ثلاثين مجلدا، حققه الشيخ محمود شاكر، ووقف عند سورة إبراهيم في ستة عشر مجلدًا، وراجع أحاديثه الشيخ المحدِّث أحمد شاكر، ثم طبع في المطبعة الأميرية سنة (١٣٣٣)، في ثلاثين مجلدا، وغيرها، ثم توالت طبعاته مَا بين طبعة محققة ومكررة وما بين طبعات موعودة بالتحقيق الجديد من أصحابها!
ثم طُبع في دار هجر بالقاهرة سنة (١٤٢٢)، بتحقيق لجنة من المحققين وبإشراف الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي حفظه الله، وقد طبع في خمسة وعشرين مجلدا، وقد حظيت هَذِهِ الطبعة بقبول حسن وتناقلها أهل العلم أكثر من عقدين من الزمن، حتى جاءت طبعة دار ابن الجوزي بالدمام، فطبعته في عشرين مجلدا، فعندها كسفت شموس الطبعات السابقة، وحازت به القِدْحَ المُعلَّى بلا مدافع، فهي بحق خير طبعة للكتاب حتى ساعتي هذه؛ سواء في حسن طباعته أو جودة تحقيقه!
ومن شُكْرِ الله تَعَالَى؛ أن تُشْكَرَ «دارُ ابن الجوزي» في طباعتها لأمهات الكتب العلمية؛ لَا سيما المعتمدة منها عند سائر أئمة المسلمين، وذَلِكَ من خلال اهتمامها بطباعة الكتب طباعة فاخرةٍ مَا بين حُسْنِ أوراقها، وجودَةِ تجليدها، ومتانة خطها، وجمال إخراجها وغير ذَلِكَ ممَا يشهد به الجميع، فجزاهم الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
وهذه ليست أوائل بركات مكتبة "دار ابن الجوزي"، في طباعتهم لتفسير الطبري، بل لهم سوابق خير وبركة في إخراج وطباعة مدونات التفسير العلمية، فمن ذَلِكَ: تفسير ابن أبي حاتم، وابن تَيْمِيَّةَ، وابن القيم، وابن كثير، والشوكاني، وعبد الرحمن السعدي، ومحمد بن صالح العثيمين، وعبد الرحمن الدوسري، وسليمان اللاحم، وعبد العزيز المسند، وحكمت بشير ياسين، وغيرهم.
ومن خالص الذكرى، فإني أذكر القائمين على «دار ابن الجوزي»، أن يأخذوا على أنفسهم في تحقيق كتاب «الدر المنثور» للسيوطي، فيكونوا بهذا قد أسدوا للمسلمين خيرا، لَا سيما طلاب العلم، مع علمنا أن الكتاب قد حُقِّق ضمن رسائل علمية بالجامعة الإسلامية لكنه لم يطبع!
كما أذكرهم بأن أولى الناس قياما بتحقيق «الدر المنثور»: هو الشيخ المبارك أبو عمرو أحمد الوكيل حفظه الله، وذلك لأمرين:
١ـ أنه قريب عهد بتحقيق أصل أصول كتب التفاسير المسندة، أي: تفسير الطبري.
٢ـ أن غالب الأقوال الَّتِي ذكرها السيوطي في كتابه هَذَا جاءت مسندةً في «جامع البيان للطبري»، وهَذَا مما سيسهل على المحقق سعيه ويقرب له مَا بَعُدَ مرامه عند تحقيقه للكتاب، والله أعلم.
الوقفة الثانية: نصيحة القائمين على مكتبة «دار ابن الجوزي».
قَالَ ﷺ: «من لَا يَشْكُرُ النّاسَ لَا يَشكرُ اللَّهَ» أحمد.
وعليه فإني أقدم شكري لأخي الشيخ المبارك/ سعد الصّميل حفظه الله وبارك في جهوده الطيبة الَّتِي تمثلت في طباعة الجديد، والمفيد، ونشرٍ للعلم بين عامة المسلمين.
كما أثني شكري للأخ الشيخ الطيب/ محمد الطيب سلامة حفظه الله؛ الَّذِي لم يفتأ يعمل بكل جهد وصبر في طباعة مَا فيه خير للإسلام والمسلمين.
كما أنني أذكرهم – هم وغيرهم - بأنهم إذا أردوا طباعة شيء من أمهات الكتب الكبار: أن يسعوا حثيثا في البحث عمن يقوم بدعم طباعتها كي يتسنى لطلاب العلم شراؤها، هَذَا إذا علمنا أن أكثر طلاب العلم قليلو ذات اليد، كما لَا يخفى، والله يحب المحسنين!
الوقفة الثالثة: أهمية «جامع البيان للطبري».
قلت: لَا شك أن «تفسير الطبري»، هُوَ أحدُ التفاسير الَّتِي لَا نظير لها في الإسلام - لَا عند المتقدمين ولَا المتأخرين - فَهُوَ في حقيقته لَا يقل قَدْرًا ولَا مكانةً عن «صحيح البخاري» بين كتب السنة، ولَا عن «كتاب سيبويه» بين كتب النحو، ولَا عن «سيرة ابن هشام» بين كتب السيرة، ولَا عن «كتاب المغني» بين كتب الفقه، بَلْ إخاله أحَدَ أُصول كتب الإسلام الَّتِي لَا يستغني عنها طالب علم.
وقد أملى ابن جرير الطبري رَحِمَهُ اللهُ كتابه «جامع البيان» على تلاميذه خلال سبع سنين، من سنة (٢٨٣) إلى سنة (٢٩٠)، ثمَّ قُرئ عليه سنة (٣٠٦)، وقد قدَّمَ أيضا الطبريُّ لكتابه هَذَا بمقدمة مهمة جمعت في مثانيها جملة من علوم القرآن: كاللغة التي نزل بها القرآن، والأحرفِ السبعة، والمعربِ، وطرق التفسير، وقد عنون لها بقوله: «القول في الوجوه التي من قِبَلِها يُوصلُ إلى معرفةِ تأويلِ القرآنِ»، وتأويل القرآنِ بالرأي، وذكر من تُرضى روايتهم ومن لا تُرضى في التَّفسيرِ إلى غير ذَلِكَ من العلوم المتعلقة بأصول التفسير.
ثمَّ ذكر القولَ في تأويلِ أسماء القرآنِ وسُورِهِ وآيِهِ، ثمَّ القول في تأويلِ أسماء فاتحة الكتابِ، ثمَّ القول في الاستعاذة، ثُمّ القول في البسملةِ، ثمَّ ابتدأ التفسيرَ بسورة الفاتحة؛ حتى ختم تفسيرَه بسورةِ النَّاسِ، كما هُوَ معلوم.
لأجل هَذَا؛ فإنّ شهادتنا عن «تفسير الطبري» لن تخطئ كبد الحقيقة، إذا قلنا عنه: أنَّهُ غَنيٌّ ومُغْنِيٌّ!
فأمَّا كونه غَنِيًّا: فلأنَّهُ قَدْ جَمَعَ في كِتَابِهِ: أقوال المفسرين الَّذِينَ تقدموا عليه، ومَا نقله لنا من «مدرسة علي بن أبي طالب»، و«مدرسة ابن عباس»، و«مدرسة ابن مسعود»، و«مدرسة أُبَيِّ بن كعب»، ومَا استفاده أيضا مما جمعه ابن جريج، والسدي، وابن إسحاق، وغيرهم من التفاسير الشيء الَّذِي جعل هَذَا الكتاب من نفائس كتب التفسير، وأعظمها، مع مَا تضمنه من فوائد وفرائد من فنون شَتَّى، كإعراب، ومباحث لغوية، ومسائل فقهية إلى غير ذَلِكَ مما هُوَ معلوم للجميع.
وآية ذَلِكَ: أن كل التفاسير المسندة الَّتِي سبقت ابن جرير الطبري رَحِمَهُ اللهُ لَا تخلو من ثلاثة أمور:
ـ إما أنها لم تشمل في تفسيرها جميع آيات القرآن.
ـ وإما أنها لم تشمل غالب تفسيرات أئمة السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ـ وإما أنها مفقودة، أو ربما وجد منها بعض دون بعض، وهَذَا وغيره قد سلم منه تفسير الطبري رَحِمَهُ اللهُ.
يوضح ذَلِكَ؛ أن الطبري رَحِمَهُ اللهُ قد دَوَّنَ في كتابه هذا: جميعَ تفاسير أئمة السلف - أصحاب القرون الثلاثة المفضلة -، من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان؛ وعليه فقد أحاط تفسيره بأقوال أئمة السلف إحاطةَ السِّوار بالمعصم، ولم يَفُتْهُ منها إلّا مَا نَدَرَ ونَدَّ، وهُوَ قليلٌ من قليلٍ!
ولولا فضل الله على هذه الأمة بأن حفظ لها «تفسيرَ الطبري» كاملا: لذهب عنا كثير من تفسيرات أئمة السلف، فلله الفضل والمنة.
ثم أقول: لو لم يكن لابن جرير الطبري رَحِمَهُ اللهُ من كتبه إلا «جامع البيان»، و«تهذيب الآثار» - لو تَمَّ! -: لَكَفَاهُ منقبةً ومرتبةً وفضيلةً وسابقةً بين علماء الإسلام من عصر الصحابة إلى الآخر، والله يختص بفضله من يشاء.
وعليه؛ فإنَّ اقتناءَ «جامع البيان للطبري» أو قراءته أو نشره أو طبعه أو تحقيقه أو خدمته بأي سبيل: كُلَّ هَذَا يُعَدُّ عبادةً وقربةً لله تَعَالَى.
فجدير بكل مسلم: أن تكون عنده نسخة من «جامع البيان للطبري»، في بيته أو مكتبته؛ سواء قرأه أو لم يقرأه، وسواء اقتناه لنفسه أو ورثه لمن بعده، فإن الأعمال بالنيات!
ومن قبل؛ فالمرجو من طالب العلم ألّا يمد يده إلى «جامع البيان للطبري»، بشيء لَا تعود له فائدة على الكتاب؛ سواء من خلال اختصاره، أو من خلال تخريج أحاديثه وآثاره تخريجا تعود أثاره على هدر أسانيده واطراح أقوال السلف المفسرة لآيات القرآن مما مضى عليها الناس جيلا بعد جيل لَا يقيلون ولَا يستقيلون!
وأخيرا؛ فإنني لَا أُريد الاسترسال وَراء ذكر فضائل «جامع البيان للطبري»، لأنه قد سبقني إليه أئمةٌ أعلام، بَلْ اجتمعت كلمة أئمة السلف على الثناء على «تفسير الطبري» مَا يعلمه القاصي والداني، بَلْ لم تزل عجلة التأليف في ذكر فضائله ومناقبه سائرةً إلى يومي هَذَا!
وأمَّا كونه مُغْنيًا: فلأنَّهُ يُغني عن غيره ولَا يُغني عنه غيره، بَلْ لو أنني حلفت مَا حنثت: بأن جميع كتب التفسير المأثورة الَّتِي جاءت بعد «تفسير الطبري» لَا تغني عنه، بَلْ غالبها عالةٌ عليه، دائرةٌ في فلكه بطريق أو آخر، {وما شَهِدْنا إلَّا بما علمنا وما كُنَّا للغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: ٨١]، والله أعلم.
وقبل الخروج من هَذِهِ الوقفة: أحببت أن أذكر إخواني طلاب العلم بأنه من أراد أن يجمع «التفاسير المأثورة عن السلف» – لَا سيما المسندة منها – فعليه بثلاثة كتب:
أحدها: «جامع البيان» للطبري رَحِمَهُ اللهُ.
الثاني: «ترجمان القرآن» للسيوطي رَحِمَهُ اللهُ، غير أنه لم يزل مفقودا، ولو وُجِدَ كاملا: فَهُوَ الغاية الَّتِي لَا أعلم له نظيرا بعد تفسير الطبري إلى يومنا هَذَا.
قلت: وعدم وجود «الترجمان» لَا يعني حِرمانَ الأمة منه جملة وتفصيلا؛ بَلْ حفظ الله للأمة أصوله وعيونه؛ حيث قيض الله تَعَالَى له صاحبَه السيوطي رَحِمَهُ اللهُ؛ فقد اختصره تحت عنوان: «الدر المنثور في التفسير بالمأثور»، وهُوَ تفسير لَا يقل عن أصله ولَا ينزل قدرا عن غيره من كتب أئمة السلف المتقدمين، وفيه كفاية لمن أراد معرفة الأقوال السلفية مجردةً عن أسانيدها.
وهَذَا مَا نَصَّ عليه السيوطي رَحِمَهُ اللهُ في مقدمته لكتابه «الدر المنثور»: «وبعد: فلمَّا ألَّفت كتاب «تُرجُمَان القرْآن»، وهُوَ التَّفسير المسند عن رسُول الله وأصحابه رضي الله عنهم وتم بحمد الله في مجلدات، فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله؛ فخلصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر مصدرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر وسميته: «الدر المنثور في التفسير بالمأثور»، والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور ويعصمه من الخطأ والزور بمنه وكرمه إنه البر الغفور» انتهى.
الثالث: «موسوعة التفسير المأثور»، إعداد مركز الدراسات والمعلومات القرآنية، في (٢٤) مجلدا، والأخير فهارس، وهُوَ مشروع علمي مبارك، قد قام عليه بعض الأفاضل المختصين بعلم التفسير، فجزاهم الله خيرا.
وحقيقه هَذِهِ «الموسوعة»: أنها محاولةٌ من أصحابها في تكميل بعض الحلقات التفسيرية السلفية المفقودة، والَّتِي من شأنها تكشف لنا أقوال أئمة السلف في تفسيراتهم للقرآن الكريم؛ سواء كَانَتْ مسندةً إليهم أو عارية عن أسانيدها؛ لكنهم مع هَذَا لم يأتوا على كثير مما أرادوه مما يتعلق بالتفسيرات المسندة عن أئمة السلف، وعذرهم في ذَلِكَ أن كثيرا من كتب التفسير المسندة في حكم المفقود، وكذا ربما كَانَ الموجود منه لم يطبع بَعْدُ!
ومع هَذَه الجهود الَّتِي بذلت في هَذِهِ «الموسوعة»: إلا أنها لم تسلم من بعض الاستدراكات العلمية والمنهجية على حد سواء، وليس هَذَا محل ذكرها.
الوقفة الرابعة: وهي خاصة بالمحقق وبالتحقيق، كما يلي:
فأما المُحقِّقُ: فَهُوَ الشيخ المحدث/ أبو عمرو أحمد بن عطية الوكيل، حفظه الله وسدد خطاه، والشيخ الوكيل له مشاركات علمية وتحقيقات حديثية تدل في مجموعها على معرفته بالصناعة الحديثية تصحيحا وتضعيفا، ودرايته الظاهرة بالرجال جرحا وتعديلا.
كما تدل خدمته العلمية أيضا لكتاب «جامع البيان للطبري» - سواء في مقدماته المنهجية أو تعليقاته العلمية -: على علو كعبه، وسعة اطلاعه، وطول باعه في التتبع والاستقراء، والله حسيبه.
وأما التحقيق: فَلَا شك أنَّ المحقِّقَ الأخَ الشيخَ أحمدَ الوكيلَ، لو لم يكتب سوداء في بيضاء إلا مَا دبجته يداه في خدمة «جامع البيان للطبري»؛ لكفاه فخرا ونُبلا وفضيلة بين أقرانه وأترابه من أهل عصره، وهَذَا لَيْسَ بغريب عليه فَهُوَ ابنُ الكنانة، فمصرُ لم تزل تخرج للأمة: علماء أجلاء، وفقهاء نبلاء، ومحدثين حفاظ، وقراء كبار، ومحققين مدققين، وحسبك بالمحقق درايةً بالحديث ورجاله أنه أحدُ تلاميذ الشيخ المحدث العلامة: أبي إسحاق الحويني حفظه الله وبارك في جهوده وشفاه الله من كل بأس، اللهم آمين!
ومن نظر في تحقيقه لكتاب «جامع البيان للطبري»، والخدمة الَّتِي قدمها وبذلها حول الكتاب تمهيدا ودراسة وتحقيقا وتخريجا: علم حقيقة الجهد الكبير الَّذِي بذله المحقق، وطول الوقت الَّذِي قضاه، وكثرة البحوث والتعليقات الَّتِي ضمنها، كل ذَلِكَ لهو دليل على البركة والمعونة الَّتِي وهبها الله إياها، والله حسيبه، ولَا نزكي على الله أحدا!
كما أن الفريق العلمي الَّذِي شاركه في تحقيق الكتاب: كانوا من صفوة الطلاب النابغين، وهَذَا منهم سبيله بركاتُ التعاون على البر والتقوى، فجزاهم الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
ومع هَذِهِ الإشادات بالمحققين والتحقيق؛ إلا أن تحقيقهم للكتاب لم يسلم من نظرات علمية واستدراكات منهجية لَا تقلل من الجهد الكبير الَّذِي بذلوه في تحقيقهم لكتاب «جامع البيان»، فَكَانَ من تلكم الملحوظات الآتي باختصار:
١ـ كان الأولى بعنوان الكتاب الرئيس أن يكتب بخط كبير عريض، متصدرا غلاف الكتاب، وهُوَ: «جامع البيان عن تأويل آي القرآن»، ثم يُلحق بأسفله عنوان بخط صغير، وهُوَ: «تفسير الطبري»، هَذَا إذا علمنا أن الاسم الأول: هُوَ العنوان الَّذِي نص عليه ابن جرير الطبري في «تاريخه»، وهُوَ أيضا العنوان الَّذِي تناقله أهل العلم قديما، أما العنوان الثاني فقد جرى استعماله متأخرا لَا سيما عند أهل عصرنا.
في حين أنني لَا أعلم أحدا من أئمة السلف سمى كتابه: بالتفسير!
٢ـ كَانَ الأولى بالمحقق حفظه الله أن يدمج مقدمات تحقيق الكتاب بعضها في بعض بشيء من الاختصار؛ إلا لما لَا بد منه؛ لأن الناظر في هَذِهِ المقدمات يجد فيها مزاحمةً.
٣ـ المجلد العشرون الَّذِي بعنوان: «الصيانة والبيان»: كَانَ حَقُّه أن يطبع مفردا؛ لأن بحوثه متعلقةٌ بالاستدراكات والأوهام الَّتِي وقعت في الطبعات السابقة في «جامع البيان للطبري».
وشيء هَذَا بابه؛ كَانَ الأولى بنا ألا نقحم القارئ معنا في اقتناء أو قراءة هَذِهِ الاستدراكات المنهجية الَّتِي لَا تخدم «جامع البيان» لَا من قريب ولَا من بعيد، بَلْ هي من شأن طلاب العلم المحققين خاصة، لَا سيما القائمين على تحقيق الطبعات السابقة للكتاب!
٤- كان على المحقق حفظه الله أن يعتمد على نسخة خطية - أو نسخ - فيجعلها أصلًا، ثم يُجري عليها الفروقات الخطية لاسيما التي تخدم النص
٥- كَانَ الأولى بالمحقق حفظه الله ألَّا يتوسع في تخريج الأحاديث والآثار؛ بحيث يعود كثير من هَذِهِ التخريجات على إسقاط أسانيد «جامع البيان» أو على ردّ كثير من أقوال السلف المفسرة للقرآن!
لأنه قد تقرر في قاعدة أهل السنة والأثر - من المحدثين والمحققين وغيرهم -: أنه يتسامح في أسانيد كتب التفاسير والمغازي والفضائل والترغيب والترهيب، مَا لم يكن أحد ضعفه شديدا، أو مخالفا لأصل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قاعدة معتبرة ونحو ذَلِكَ، وقد ثبت عن ابن عباس وغيره: «القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجه»، وفي لفظ: «القرآن حمال لوجوه»، ونحوه من العبارات الَّتِي تدل على أن باب التفسير واسع لَا يضيق بمعنى تحملته رواية ضعيفة، هَذَا إذا علمنا أن كثيرا من أهل التفسير - الَّذِينَ نقل أئمة السلف كثيرا التفسير من طريقهم -: كانوا في أنفسهم ثقات؛ لكنهم عند تحمل الرواية ضعفاء، لأجل هَذَا فقد تسامحوا في رواياتهم في التفسير، ولم يقفوا كثيرا معهم جرحا وتضعيفا، وهَذَا مَا جرى عليه منهج الطبري في تفسيره، ولو أردنا أن نطبق الصناعة الحديثية على كتب «التفاسير المسندة»؛ لَمَا سَلِمَ لنا كثير من تفسيرات ابن مسعود وابن عباس وأُبي بن كعب وغيرهم، لأن طائفة من الَّذِينَ رَوَوْا عنهم في التفسير لم يسلموا من مقالٍ، كما لَا يخفى.
٦- كانَ الأولى بالمحقق حفظه الله ألّا يصدر أحكامه في الحاشية على الأحاديث والآثار بالضعف، كقوله: ضعيف جدا أو منكر ونحو ذَلِكَ -، بَلْ المستحسن منه أن يقتصر على قوله: فيه فلان وفلان، وهُوَ ضعيف ونحوه من العبارات الَّتِي لَا تدل قطعا على ضعف الأثر، فربما يكون للأثر له متابع أو شاهد في سند آخر أو في كتاب آخر؛ لَا سيما أن كثيرا من كتب «التفاسير المسندة» لم تطبع أو طبعت لكنها ظاهرةُ النقص، كما لَا يخفى!
ومهما يكن من رأي أو استدراك هُنَا فلَا تقلل من الجهد الكبير الَّذِي قام به المحقق حفظه الله، لكنها جاءت من باب «الدين النصيحة»، فَمَا كَانَ منها صائب فحقُّه القبولُ أو ردُّه بالحسنى، والله وَليُّ المؤمنين.
وأخيرا؛ فإني أكرر شكري لأخي الشيخ سعد الصّميل يوم تذكرني بهديته الثمينة لكتاب «جامع البيان للطبري»، فجزاه الله عني خيرا.
أملاه
فضيلة الشيخ الدكتور
ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي
الطائف المأنوس
(٢٢/رمضان/١٤٤٤)